التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
١
ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٣
-المنافقون

أرادوا بقولهم: { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم. فقال الله عزّ وجلّ: قالوا ذلك { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } أن الأمر كما يدل عليه قولهم: إنك لرسول الله، والله يشهد أنهم لكاذبون في قولهم: نشهد؛ وادعائهم فيه المواطأة. أو إنهم لكاذبون فيه، لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة؛ فهم كاذبون في تسميته شهادة. أو أراد: والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم: لأنهم كانوا يعتقدون أنّ قولهم: { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه. فإن قلت: أي فائدة في قوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ }؟ قلت: لو قال: قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم الكاذبون، لكان يوهم أنّ قولهم هذا كذب؛ فوسط بينهما قوله: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ }؟ ليميط هذا الإيهام { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } يجوز أن يراد أنّ قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة، لأنّ الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل: أشهد وأشهد بالله، وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى. وبه استشهد أبو حنيفةرحمه الله على أن «أشهد» يمين. ويجوز أن يكون وصفاً للمنافقين في استجنانهم بالأيمان. وقرأ الحسن البصري: إيمانهم، أي: ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم. ويعضده قوله تعالى: { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا }. { سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله. وفي { سَآءَ } معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين { ذَٰلِكَ } إشارة إلى قوله: { سَآء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا (بـــ) سبب (أنهم آمنوا ثم كفروا) أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان، أي: ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فجسروا على كل عظيمة. فإن قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله: { ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ }؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: آمنوا، أي: نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا: ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير، وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات. ونحوه قوله تعالى: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَـٰمِهِمْ } [التوبة: 74] أي: وظهر كفرهم بعد أن أسلموا. ونحوه قوله تعالى: { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } [التوبة: 66] والثاني آمنوا: أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام، كقوله تعالى: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [البقرة: 14] إلى قوله تعالى: { إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤون } [البقرة: 14] والثالث: أن يراد أهل الردة منهم. وقرىء: «فطبع على قلوبهم»، وقرأ زيد بن علي: «فطبع الله».