{ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا } أعرضت عنه على وجه العتوّ والعناد { حِسَاباً شَدِيداً } بالاستقصاء والمناقشة { عَذَاباً نُّكْراً } وقرىء: «نكرا» منكراً عظيماً، والمراد: حساب الآخرة وعذابها وما يذوقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر، وجيء به على لفظ الماضي، كقوله تعالى:
{ وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف:44]، { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } [الأعراف: 50] ونحو ذلك؛ لأنّ المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة، وما هو كائن فكأن قد كان. وقوله: { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقباً، كأنه قال: أعد الله لهم هذا العذاب فليكن لكم ذلك { يٰۤأُوْلِي ٱلألْبَـٰبِ } من المؤمنين لطفاً في تقوى الله وحذر عقابه. ويجوز أن يراد إحصاء السيئات، واستقصاؤها عليهم في الدنيا، وإثباتها في صحائف الحفظة، وما أصيبوا به من العذاب في العاجل؛ وأن يكون { عَتَتْ } وما عطف عليه: صفة للقرية. وأعد الله لهم: جواباً لكأين { رَسُولاً } هو جبريل صلوات الله عليه: أبدل من ذكرا، لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر فصح إبداله منه. أو أريد بالذكر: الشرف، من قوله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] فأبدل منه، كأنه في نفسه شرف: إما لأنه شرف للمنزل عليه، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله، كقوله تعالى: { { عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [التكوير: 20] أو جعل لكثرة ذكره لله وعبادته كأنه ذكر. أو أريد: ذا ذكر، أي ملكاً مذكوراً في السموات وفي الأمم كلها. أو دل قوله: { أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } [الطلاق: 10] على: أرسل فكأنه قيل: أرسل رسولا؛ أو أعمل ذكراً في رسولا إعمال المصدر في المفاعيل، أي: أنزل الله أن ذكر رسولا أو ذكره رسولا. وقرىء: «رسول»، على: هو رسول. أنزله { لّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بعد إنزاله، أي ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح: لأنهم كانوا وقت إنزاله غير مؤمنين، وإنما آمنوا بعد الإنزال والتبليغ. أو ليخرج الذين عرف منهم أنهم يؤمنون. قرىء: «يدخله»، بالياء والنون { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } فيه معنى التعجب والتعظيم، لما رزق المؤمن من الثواب.