التفاسير

< >
عرض

إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
-التحريم

{ إِن تَتُوبَا } خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما. وعن ابن عباس:

(1211) لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عنهما حتى حج وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة، فسكبت الماء على يده فتوضأ، فقلت: من هما؟ فقال: عجباً يا ابن عباس ـــ كأنه كره ما سألته عنه ـــ ثم قال: هما حفصة وعائشة { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. وقرأ ابن مسعود: «فقد زاغت» { وَإِن تَظَاهَرَا } وإن تعاونا { عَلَيْهِ } بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره، فلن يعدم هو من يظاهره، وكيف يعدم المظاهر من الله[ مولاه ] أي وليه وناصره؛ وزيادة { هُوَ } إيذان بأن نصرته عزيمة من عزائمه، وأنه يتولى ذلك بذاته { وَجِبْرِيلُ } رأس الكروبيين؛ وقرن ذكره بذكره مفرداً له من بين الملائكة تعظيماً له وإظهاراً لمكانته عنده { وَصَـٰلِحُ اْلمُؤْمِنِينَ } ومن صلح من المؤمنين، يعني: كل من آمن وعمل صالحاً. وعن سعيد بن جبير: من برىء منهم من النفاق. وقيل: الأنبياء وقيل: الصحابة. وقيل: الخلفاء منهم. فإن قلت: صالح المؤمنين واحد أم جمع؟ قلت: هو واحد أريد به الجمع، كقولك: لا يفعل هذا الصالح من الناس، تريد الجنس، كقولك: لا يفعله من صلح منهم. ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر. ويجوز أن يكون أصله: صالحوا المؤمنين بالواو، فكتب بغير واو على اللفظ؛ لأنّ لفظ الواحد والجمع واحد فيه، كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } على تكاثر عددهم، وامتلاء السموات من جموعهم { بَعْدَ ذَلِكَ } بعد نصرة الله وناموسه وصالحي المؤمنين { ظَهِيرٌ } فوج مظاهر له، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فما يبلغ تظاهر امرأتين علي من هؤلاء ظهراؤه؟ فإن قلت: قوله: { بَعْدَ ذَلِكَ } تعظيم للملائكة ومظاهرتهم. وقد تقدّمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين، ونصرة الله تعالى أعظم وأعظم. قلت: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، فكأنه فضل نصرته تعالىٰ بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى، لفضلهم على جميع خلقه. وقرىء: «تظاهرا» وتتظاهرا. وتظهرا.