التفاسير

< >
عرض

ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٩
ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ
٣٠
لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ
٣١
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ
٣٢
كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ
٣٣
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٤
هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
٣٥
وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
٣٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٧
-المرسلات

أي يقال لهم: انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب، وانطلقوا الثاني تكرير. وقرىء: «انطلقوا» على لفظ الماضي إخباراً بعد الأمر عن عملهم بموجبه، لأنهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعاً منه { إِلَىٰ ظِلٍّ } يعني دخان جهنم، كقوله: { { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } [الواقعة:43] { ذِى ثَلَـٰثِ شُعَبٍ } بتشعب لعظمه ثلاث شعب، وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب. وقيل: يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق، ويتشعب من دخانها ثلاث شعب، فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم؛ والمؤمنون في ظل العرش { لاَّ ظَلِيلٍ } تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين { وَلاَ يُغْنِى } في محل الجر، أي: وغير مغن عنهم من حرّ اللهب شيئاً { بِشَرَرٍ } وقرىء: «بشرار» { كَٱلْقَصْرِ } أي كل شررة كالقصر من القصور في عظمها. وقيل: هو الغليظ من الشجر، الواحدة قصرة، نحو: جمرة وجمر. وقرىء «كالقصر» بفتحتين: وهي أعناق الإبل، أو أعناق النخل، نحو شجرة وشجر. وقرأ ابن مسعود: كالقصر بمعنى القصور، كرهن ورهن. وقرأ سعيد ابن جبير «كالقصر» في جمع قصرة، كحاجة وحوج { جِمَـٰلَةٌ } جمع جمال. أو جمالة جمع جمل؛ شبهت بالقصور، ثم بالجمال لبيان التشبيه. ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل. وقرىء: «جمالات» بالضم: وهي قلوس الجسور. وقيل: قلوس سفن البحر، الواحدة جمالة وقرىء «جمالة» بالكسر، بمعنى: جمال وجمالة بالضم: وهي القلس. وقيل { صُفْرٌ } لإرادة الجنس. وقيل { صُفْرٌ } سود تضرب إلى الصفرة. وفي شعر عمران ابن حطان الخارجي:

دَعَتْهُمْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَرَمَتْهُمُ بِمِثْلِ الْجِمَالِ الصُّفْرِ نَزْاعَةُ الشِّوَى

وقال أبو العلاء:

حَمْرَاءُ سَاطِعَةُ الذَّوَائِبِ في الدُّجَى تَرْمِى بِكلِّ شَرَارَةٍ كَطِرَافِ

فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة، وكأنه قصد بخبثه: أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله «حمراء» توطئة لها ومناداة عليها، وتنبيها للسامعين على مكانها، ولقد عمي: جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا،{ كأنه جمالات صفر }؛ فإنه بمنزلة قوله: كبيت أحمر؛ وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين: من جهة العظم، ومن جهة الطول في الهواء، وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس: تشبيه من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة، فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه.

قرىء بنصب «اليوم» ونصبه الأعمش، أي: هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ، ويوم القيامة طويل ذو مواطن ومواقيت: ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت؛ ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطق؛ لأنه لا ينفع ولا يسمع { فَيَعْتَذِرُونَ } عطف على { يُؤْذَنُ } منخرط في سلك النفي. والمعنى: ولا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن ولو نصب لكان مسبباً عنه لا محالة.