{ ٱذْهَبْ } على إرادة القول. وفي قراءة عبد الله «أن اذهب» لأنّ في النداء معنى القول. هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا؛ كما تقول: هل ترغب فيه، وهل ترغب إليه { إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } إلى أن تتطهر من الشرك، وقرأ أهل المدينة «تزكى» بالإدغام { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ } وأرشدك إلى معرفة الله أنبهك عليه فتعرفه { فَتَخْشَىٰ } لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى:
{ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } [فاطر: 28] أي العلماء به؛ وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، من خشي الله: أتى منه كل خير. ومن أمن: اجترأ على كل شرّ. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (1265)
"من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل" بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه، كما أمر بذلك في قوله: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } [طه: 44]، { ٱلأَيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } قلب العصا حية لأنها كانت المقدمة والأصل، والأخرى كالتبع لها؛ لأنه كان يتقيها بيده، فقيل له: أدخل يدك في جيبك، أو أرادهما جميعاً، إلا أنه جعلهما واحدة؛ لأن الثانية كأنها من جملة الأولى لكونها تابعة لها { فَكَذَّبَ } بموسى والآية الكبرى، وسماهما ساحراً وسحراً { وَعَصَىٰ } الله تعالى بعد ما علم صحة الأمر، وأنّ الطاعة قد وجبت عليه { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } أي لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً، يسعى: يسرع في مشيته. قال الحسن كان رجلاً طياشاً خفيفاً. أو تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته، وأريد: ثم أقبل يسعى، كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا، بمعنى: أنشأ يفعل، فوضع{ أَدْبَرَ } موضع: أقبل؛ لئلا يوصف بالإقبال { فَحَشَرَ } فجمع السحرة، كقوله: { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } [الشعراء: 53]. { فَنَادَىٰ } في المقام الذي اجتمعوا فيه معه. أو أمر منادياً في الناس بذلك. وقيل قام فيهم خطيباً فقال تلك العظيمة. وعن ابن عباس: كلمته الأولى: { { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } [القصص: 38] والآخرة: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 34]. { نَكَالَ } هو مصدر مؤكد، كوعد الله، وصبغة الله؛ كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة والأولى والنكال بمعنى التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم. يعني الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة. وعن ابن عباس: نكال كلمتيه الآخرة، وهي قوله: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } والأولى وهي قوله: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } [القصص: 28]، وقيل: كان بين الكلمتين أربعون سنة. وقيل عشرون.