التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ
١
-الغاشية

{ ٱلْغَـٰشِيَةِ } الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها. يعني القيامة، من قوله: { يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 55]، وقيل: النار، من قوله: { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } [إبراهيم: 50]، { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف: 41]، { يَوْمَئِذٍ } يوم إذ غشيت { خَـٰشِعَةٌ } ذليلة { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } تعمل في النار عملاً تتعب فيه، وهو جرها السلاسل والأغلال، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل، وارتقاؤها دائبة في صعود من نار، وهبوطها في حدور منها. وقيل: عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت، فهي في نصب منها في الآخرة، وقيل: عملت ونصبت في أعمال لا تجدي عليها في الآخرة. من قوله { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } [الفرقان: 23]. { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 104]، { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } [آل عمران: 22]، وقيل: هم أصحاب الصوامع، ومعناه: أنها خشعت لله وعملت ونصبت في أعمالها من الصوم الدائب، والتهجد الواصب وقرىء «عاملة ناصبة» على الشتم. قرىء «تصلى» بفتح التاء. وتصلى بضمها. وتصلى بالتشديد. وقيل: المصلى عند العرب: أن يحفروا حفيراً فيجمعوا فيه جمراً كثيراً، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلى أو في التنور، فلا يسمى مصلياً { ءانِيَةٍ } متناهية في الحرّ، كقوله: { وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ } [الرحمٰن: 44] الضريع يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل قال أبو ذؤيب:

رَعَى الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى إذَا ذَوَى وَعَادَ ضَرِيعاً بَانَ عَنْهُ النَّحَائِصُ

وقال:

وَحُبِسَ فِي هَزْمِ الضِّرِيعِ فَكُلْهَا حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ حَرُودُ

فإن قلت: كيف قيل { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } وفي الحاقة { { ولا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [الحاقة: 36] قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات؛ فمنهم أكلة الزقوم ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: لكل باب منهم جزء مقسوم { لاَّ يُسْمِنُ } مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعني: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلاً: لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس؛ لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفي الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت { لاَّ يُسْمِنُ } فلا يخلوا إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع. وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.