التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ
٨
وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ
٩
وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ
١٠
فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ
١١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ
١٢
فَكُّ رَقَبَةٍ
١٣
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
١٤
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ
١٥
أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
١٦
-البلد

{ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ(8) } يبصر بهما المرئيات { وَلِسَاناً } يترجم به عن ضمائره { وَشَفَتَيْنِ } يطبقهما على فيه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغير ذلك { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } أي: طريقي الخير والشر. وقيل: الثديين { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } يعني: فلم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة: من فك الرقاب وإطعام اليتامى والمساكين، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة، وأساس كل خير؛ بل غمط النعم وكفر بالمنعم. والمعنى: أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضي النافع عند الله، لا أن يهلك مالاً لبداً في الرياء والفخار، فيكون مثله { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ... } [آل عمران: 117] الآية. فإن قلت: قلما تقع «لا» الداخلة على الماضي إلاّ مكرره، ونحو قوله:

فَأَيُّ أَمْرٍ سَيِّىءٍ لاَ فَعَلَه

لا يكاد يقع، فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح؟ قلت: هي متكرّرة في المعنى؛ لأن معنى { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ (11) } فلا فكّ رقبة، ولا أطعم مسكيناً. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. وقال الزجاج قوله: (ثم كان من الذين أمنوا) يدل على معنى: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ (11) }، ولا آمن. والاقتحام: الدخول والمجاوزة بشدّة ومشقة. والقحمة: الشدة، وجعل الصالحة: عقبة، وعملها: اقتحاماً لها، لما في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس. وعن الحسن: عقبة والله شديدة. مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدّوه الشيطان. وفكّ الرقبة: تخليصها من رق أو غيره. وفي الحديث:

(1303) أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: "تعتق النسمة وتفك الرقبة" . قال: أو ليسا سواء؟ قال: " لا، إعتاقها أن تنفرد بعتقها. وفكها: أن تعين في تخليصها. من قود أو غرم" . والعتق والصدقة: من أفاضل الأعمال. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه: أن العتق أفضل من الصدقة.وعند صاحبيه:الصدقة أفضل والآية أدل على قول أبي حنيفة لتقديم العتق الصدقة وعن الشعبي في رجل عنده فضل نفقة: أيضعه في ذي قرابة، أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1304) "من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضواً منه من النار" . قرىء: «فك رقبة أو إطعام» على: هي فك رقبة، أو إطعام. وقرىء: «فك رقبة» أو أطعم، على الإبدال من اقتحم العقبة. وقوله: { وَمآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ (12) } اعتراض، ومعناه: أنك لم تدرِكُنْهَ صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله. والمسغبة، والمقربة، والمتربة: مفعلات من سغب: إذا جاع. وقرب في النسب، يقال: فلان ذو قرابتي. وذو مقربتي. وترب: إذا افتقر، ومعناه. التصق بالتراب. وأما أترب فاستغنى، أي: صار ذا مال كالتراب في الكثرة، كما قيل: أثري.

(1305) وعن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { ذَا مَتْرَبَةٍ } الذي مأواه المزابل، ووصف اليوم بذي مسغبة نحو ما يقول النحويون في قولهم: هم ناصب: ذو نصب. وقرأ الحسن: «ذا مسغبة» نصبه بإطعام. ومعناه: أو إطعام في يوم من الأيام ذا مسغبة.