التفاسير

< >
عرض

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ففيه مسائل:

المسألة الأولى: قال ابن عباس: لكم كفركم بالله ولي التوحيد والإخلاص له، فإن قيل: فهل يقال: إنه أذن لهم في الكفر قلنا: كلا فإنه عليه السلام ما بعث إلا للمنع من الكفر فكيف يأذن فيه، ولكن المقصود منه أحد أمور أحدها: أن المقصود منه التهديد، كقوله { اعملوا ما شئتم } [فصلت: 40] وثانيها: كأنه يقول: إني نبي مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني فاتركوني ولا تدعوني إلى الشرك وثالثها: { لَكُمْ دِينَكُمْ } فكونوا عليه إن كان الهلاك خيراً لكم { وَلِيُّ دِينِى } لأني لا أرفضه القول الثاني: في تفسير الآية أن الدين هو الحساب أي لكم حسابكم ولي حسابي، ولا يرجع إلى كل واحد منا من عمل صاحبه أثر ألبتة القول الثالث: أن يكون على تقدير حذف المضاف أي لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني وحسبهم جزاء دينهم وبالاً وعقاباً كما حسبك جزاء دينك تعظيماً وثواباً القول الرابع: الدين العقوبة: { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ } [النور: 2] يعني الحد، فلكم العقوبة من ربي، ولي العقوبة من أصنامكم، لكن أصنامكم جمادات، فأنا لا أخشى عقوبة الأصنام، وأما أنتم فيحق لكم عقلاً أن تخافوا عقوبة جبار السموات والأرض القول الخامس: الدين الدعاء، فادعو الله مخلصين له الدين، أي لكم دعاؤكم { وَمَا دُعَاء ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } [الرعد: 14] { { وَإِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } [فاطر: 14] ثم ليتها تبقى على هذه الحالة فلا يضرونكم، بل يوم القيامة يجدون لساناً فيكفرون بشرككم، وأما ربي فيقول: { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [الشورى: 26] { ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186] القول السادس: الدين العادة، قال الشاعر:

يقول لها وقد دارت وضينيأهذا دينها أبدأ وديني

معناه لكم عادتكم المأخوذة من أسلافكم ومن الشياطين، ولي عادتي المأخوذة من الملائكة والوحي، ثم يبقى كل واحد منا على عادته، حتى تلقوا الشياطين والنار، وألقى الملائكة والجنة.

المسألة الثانية: قوله: { لَكُمْ دِينَكُمْ } يفيد الحصر، ومعناه لكم دينكم لا لغيركم، ولي ديني لا لغيري، وهو إشارة إلى قوله: { { أَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 38، 39] أي أنا مأمور بالوحي والتبليغ، وأنتم مأمورون بالامتثال والقبول، فأنا لمافعلت ما كلفت به خرجت من عهدة التكليف، وأما إصراركم على كفركم فذلك ممالا يرجع إلي منه ضرر ألبتة.

المسألة الثانية: جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة، وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبر فيه، ثم يعمل بموجبه، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا، وعلى آله وصحبه وسلم.