التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
١٣
قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ
١٤
-يوسف

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أنهم لما طلبوا منه أن يرسل يوسف معهم اعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن ذهابهم به ومفارقتهم إياه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة. والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم لقلة اهتمامهم به. قيل: إنه رأى في النوم أن الذئب شد على يوسف، فكان يحذره فمن هذا ذكر ذلك، وكأنه لقنهم الحجة، وفي أمثالهم البلاء موكل بالمنطق. وقيل: الذئاب كانت في أراضيهم كثيرة، وقرىء { ٱلذّئْبُ } بالهمز على الأصل وبالتفخيف. وقيل: اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا أتت من كل جهة، فلما ذكر يعقوب عليه السلام هذا الكلام أجابوا بقولهم: { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذَا لَّخَـٰسِرُونَ } وفيه سؤالات:

السؤال الأول: ما فائدة اللام في قوله: { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذّئْبُ }.

والجواب من وجهين: الأول: أن كلمة إن تفيد كون الشرط مستلزماً للجزاء، أي إن وقعت هذه الواقعة فنحن خاسرون، فهذه اللام دخلت لتأكيد هذا الاستلزام. الثاني: قال صاحب «الكشاف» هذه اللام تدل على إضمار القسم تقديره: والله لئن أكله الذئب لكنا خاسرين.

السؤال الثاني: ما فائدة الواو في قوله: { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ }.

الجواب: أنها واو الحال حلفوا لئن حصل ما خافه من خطف الذئب أخاهم من بينهم وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفي الخطوب إنهم إذاً لقوم خاسرون.

السؤال الثالث: ما المراد من قولهم: { إِنَّا إِذَا لَّخَـٰسِرُونَ }.

الجواب فيه وجوه: الأول: خاسرون أي هالكون ضعفاً وعجزاً، ونظيره قوله تعالى: { { لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ } [المؤمنون: 34] أي لعاجزون: الثاني: أنهم يكونون مستحقين لأن يدعى عليهم بالخسارة والدمار وأن يقال خسرهم الله تعالى ودمرهم حين أكل الذئب أخاهم وهم حاضرون. الثالث: المعنى أنا إن لم نقدر على حفظ أخينا فقد هلكت مواشينا وخسرناها. الرابع: أنهم كانوا قد أتعبوا أنفسهم في خدمة أبيهم واجتهدوا في القيام بمهماته وإنما تحملوا تلك المتاعب ليفوزوا منه بالدعاء والثناء فقالوا: لو قصرنا في هذه الخدمة فقد أحبطنا كل تلك الأعمال وخسرنا كل ما صدر منا من أنواع الخدمة.

السؤال الرابع: أن يعقوب عليه السلام اعتذر بعذرين فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر؟

والجواب: أن حقدهم وغيظهم كان بسبب العذر الأول، وهو شدة حبه له فلما سمعوا ذكر ذلك المعنى تغافلوا عنه.