التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ
٨٥
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨٦
-الحجر

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أهلك الكفار فكأنه قيل: الإهلاك والتعذيب كيف يليق بالرحيم الكريم. فأجاب عنه بأني إنما خلقت الخلق ليكونوا مشتغلين بالعبادة والطاعة فإذا تركوها وأعرضوا عنها وجب في الحكمة إهلاكهم وتطهير وجه الأرض منهم، وهذا النظم حسن إلا أنه إنما يستقيم على قول المعتزلة، قال الجبائي: دلت الآية على أنه تعالى ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا حقاً وبكون الحق لا يكون الباطل، لأن كل ما فعل باطلاً وأريد بفعله كون الباطل لا يكون حقاً ولا يكون مخلوقاً بالحق، وفيه بطلان مذهب الجبرية الذين يزعمون أن أكثر ما خلقه الله تعالى بين السموات والأرض من الكفر والمعاصي باطل.

واعلم أن أصحابنا قالوا: هذه الآية تدل على أنه سبحانه هو الخالق لجميع أعمال العباد، لأنها تدل على أنه سبحانه هو الخالق للسموات والأرض ولكل ما بينهما. ولا شك أن أفعال العباد بينهما فوجب أن يكون خالقها هو الله سبحانه، وفي الآية وجه آخر في النظم وهو أن المقصود من ذكر هذه القصص تصبير الله تعالى محمداً عليه الصلاة والسلام على سفاهة قومه فإنه إذا سمع أن الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياء الله تعالى بمثل هذه المعاملات الفاسدة سهل تحمل تلك السفاهات على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنه تعالى لما بين أنه أنزل العذاب على الأمم السالفة فعند هذا قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } وإن الله لينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم، فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق والعدل والإنصاف فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك، ثم إنه تعالى لما صبره على أذى قومه رغبه بعد ذلك في الصفح عن سيئاتهم فقال: { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } أي فأعرض عنهم، واحتمل ما تلقى منهم إعراضاً جميلاً بحلم وإغضاء، وقيل: هو منسوخ بآية السيف وهو بعيد، لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخاً.

ثم قال: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ } ومعناه أنه خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم وتفاوت أحوالهم مع علمه بكونهم كذلك، وإذا كان كذلك فإنما خلقهم مع هذا التفاوت، ومع العلم بذلك التفاوت. أما على قول أهل السنة فلمحض المشيئة والإرادة. وأما على قول المعتزلة فلأجل المصلحة والحكمة، والله أعلم.