التفاسير

< >
عرض

آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً
٩٦
فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً
٩٧
قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
٩٨
-الكهف

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن { زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } قطعة قال الخليل الزبرة من الحديد القطعة الضخمة، قراءة الجميع آتوني بمد الألف إلا حمزة فإنه قرأ ائتوني من الإتيان، وقد روى ذلك عن عاصم والتقدير ائتوني بزبر الحديد ثم حذف الباء كقوله: شكرته وشكرت له وكفرته وكفرت له، وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } فيه إضمار أي فأتوه بها فوضع تلك الزبر بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً، واعلم أن هذا معجز قاهر لأن هذه الزبر الكثيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر الحيوان على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا مع القرب منها فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين عليها. قال صاحب الكشاف: قيل بعدما بين: { السَّدَّيْنِ } مائة فرسخ. { والصدفان } بفتحتين جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان أي يتقابلان وقرىء: { ٱلصَّدَفَيْنِ } بضمتين. { والصدفين } بضمة وسكون والقطر النحاس المذاب لأنه يقطر، وقوله: { قِطْراً } منصوب بقوله: { أَفْرِغْ } وتقديره آتوني قطراً: { أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ثم قال: { فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ } فحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء وقرىء: { فَمَا اصطاعوا } بقلب السين صاداً { أَن يَظْهَرُوهُ } أن يعلوه أي ما قدروا على الصعود عليه لأجل ارتفاعه وملاسته ولا على نقبه لأجل صلابته وثخانته، ثم قال ذو القرنين: { هَـٰذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى } فقوله هذا إشارة إلى السد، أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده أو هذا الاقتدار والتمكين من تسويته: { فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى } يعني فإذا دنا مجيء القيامة جعل السد دكاً أي مدكوكاً مسوى بالأرض. وكل ما انبسط بعد الارتفاع فقد اندك وقرىء دكاء بالمد أي أرضاً مستوية { وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً } وههنا آخر حكاية ذي القرنين.