التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ
٨٣
قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ
٨٤
-طه

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن في قوله: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } دلالة على أنه قد تقدم قومه في المسير إلى المكان ويجب أن يكون المراد ما نبه عليه في قوله تعالى: { { وَوَاعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } [طه: 80] في هذه السورة، وفي سائر السور كقوله: { { وَوٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً } [الأعراف: 142] يريد الميقات عند الطور وعلى الآية سؤالات:

السؤال الأول: قوله: { وَمَا أَعْجَلَكَ } استفهام وهو على الله محال. الجواب أنه إنكار في صيغة الاستفهام ولا امتناع فيه.

السؤال الثاني: أن موسى عليه السلام لا يخلو إما أن يقال إنه كان ممنوعاً عن ذلك التقدم أو لم يكن ممنوعاً عنه، فإن كان ممنوعاً كان ذلك التقدم معصية فيلزم وقوع المعصية من الأنبياء، وإن قلنا إنه ما كان ممنوعاً كان ذلك الإنكار غير جائز من الله تعالى. والجواب: لعله عليه السلام ما وجد نصاً في ذلك إلا أنه باجتهاده تقدم فأخطأ في ذلك الاجتهاد فاستوجب العتاب.

السؤال الثالث: قال: { وَعَجِلْتُ } والعجلة مذمومة. والجواب: إنها ممدوحة في الدين. قال تعالى: { { وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ } [آل عمران: 133].

السؤال الرابع: قوله: { لِتَرْضَىٰ } يدل على أنه عليه السلام إنما فعل ذلك لتحصيل الرضا لله تعالى وذلك باطل من وجهين. أحدهما: أنه يلزم تجدد صفة الله تعالى، والآخر أنه تعالى قبل حصول ذلك الرضا وجب أن يقال: إنه تعالى ما كان راضياً عن موسى لأن تحصيل الحاصل محال، ولما لم يكن راضياً عنه وجب أن يكون ساخطاً عليه، وذلك لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام. الجواب: المراد تحصيل دوام الرضا كما أن قوله: { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } المراد دوام الاهتداء.

السؤال الخامس: قوله: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ } يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عينه الله تعالى له، وإلا لم يكن ذلك تعجيلاً ثم ظن أن مخالفة أمر الله تعالى سبب لتحصيل رضاه وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن كليم الله تعالى. والجواب: ما ذكرنا أن ذلك كان بالاجتهاد وأخطأ فيه.

السؤال السادس: قوله: { إِلَيْكَ } يقتضي كون الله في الجهة لأن إلى لانتهاء الغاية. الجواب: توافقنا على أن الله تعالى لم يكن في الجبل فالمراد إلى مكان وعدك.

السؤال السابع: { مَا أَعْجَلَكَ } سؤال عن سبب العجلة فكان جوابه اللائق به أن يقول: طلبت زيادة رضاك والشوق إلى كلامك، وأما قوله: { هُمْ أُوْلاءِ عَلَىٰ أَثَرِى } فغير منطبق عليه كما ترى والجواب من وجهين: الأول: أن سؤال الله تعالى يتضمن شيئين: أحدهما: إنكار نفس العجلة. والثاني: السؤال عن سبب التقدم فكان أهم الأمرين عند موسى عليه السلام بالجواب هذا الثاني فقال: لم يوجد مني إلا تقدم يسير لا يحتفل به في العادة وليس بيني وبين من سبقته إلا تقدم يسير يتقدم بمثله الوفد عن قومهم ثم عقبه بجواب السؤال عن العجلة فقال: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }. الثاني: أنه عليه السلام لما ورد عليه من هيبة عتاب الله تعالى ما ورد ذهل عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام، واعلم أن في قوله: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } دلالة على أنه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين، واختلفوا في المراد بالقوم فقال بعضهم: هم النقباء السبعون الذين قد اختارهم الله تعالى ليخرجوا معه إلى الطور فتقدمهم موسى عليه السلام شوقاً إلى ربه. وقال آخرون: القوم جملة بني إسرائيل وهم الذين خلفهم موسى مع هـٰرون وأمره أن يقيم فيهم خليفة له إلى أن يرجع هو مع السبعين فقال: { هُمْ أُوْلاءِ عَلَىٰ أَثَرِى } يعني بالقرب مني ينتظرونني، وعن أبي عمرو ويعقوب إثري بالكسر وعن عيسى بن عمر أثري بالضم، وعنه أيضاً أولى بالقصر، والأثر أفصح من الإثر. وأما الأثر فمسموع في فرند السيف وهو بمعنى الأثر غريب.