التفاسير

< >
عرض

وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ
٨٩
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ
٩٠
-الأنبياء

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

(القصة التاسعة، قصة زكريا عليه السلام)

اعلم أنه تعالى بين انقطاع زكريا عليه السلام إلى ربه تعالى لما مسه الضر بتفرده، وأحب من يؤنسه ويقويه على أمر دينه ودنياه ويكون قائماً مقامه بعد موته، فدعا الله تعالى دعاء مخلص عارف بأنه قادر على ذلك، وإن انتهت الحال به وبزوجته من كبر وغيره إلى اليأس من ذلك بحكم العادة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان سنه مائة وسن زوجته تسعاً وتسعين.

أما قوله: { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوٰرِثِينَ } ففيه وجهان: أحدهما: أنه عليه السلام إنما ذكره في جملة دعائه على وجه الثناء على ربه ليكشف عن علمه بأن مآل الأمور إلى الله تعالى. والثاني: كأنه عليه السلام قال: «إن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير وارث».

وأما قوله تعالى: { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } أي فعلنا ما أراده لأجل سؤاله، وفي ذلك إعظام له، فلذلك تقول العلماء بأن الاستجابة ثواب لما فيه من الإعظام.

وأما قوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } فهو كالتفسير للاستجابة وفي تفسير قوله: { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } ثلاثة أقوال: أحدها: أصلحها للولادة بأن أزال عنها المانع بالعادة، وهذا أليق بالقصة. والثاني: أنه أصلحها في أخلاقها وقد كانت على طريقة من سوء الخلق وسلاطة اللسان تؤذيه وجعل ذلك من نعمه عليه. والثالث: أنه سبحانه جعلها مصلحة في الدين، فإن صلاحها في الدين من أكبر أعوانه في كونه داعياً إلى الله تعالى فكأنه عليه السلام سأل ربه المعونة على الدين والدنيا بالولد والأهل جميعاً. وهذا كأنه أقرب إلى الظاهر لأنه إذا قيل: أصلح الله فلاناً فالأظهر فيه ما يتصل بالدين، واعلم أن قوله: { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } يدل على أن الواو لا تفيد الترتيب لأن إصلاح الزوج مقدم على هبة الولد مع أنه تعالى أخره في اللفظ وبين تعالى مصداق ما ذكرناه فقال: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } وأراد بذلك زكريا وولده وأهله فبين أنه آتاهم ما طلبوه وعضد بعضهم ببعض من حيث كانت طريقتهم أنهم يسارعون في الخيرات، والمسارعة في طاعة الله تعالى من أكبر ما يمدح المرء به لأنه يدل على حرص عظيم على الطاعة.

أما قوله تعالى: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } قرىء رغباً ورهباً وهو كقوله: { يَحْذَرُ ٱلأَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَّحْمَةِ رَبّهِ } والمعنى أنهم ضموا إلى فعل الطاعات والمسارعة فيها أمرين: أحدهما: الفزع إلى الله تعالى لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة في عقابه. والثاني: الخشوع وهو المخافة الثابتة في القلب، فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور خوفاً من الإثم.