إعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر أن فيها عبرة مجملاً ثم أردفه بالتفصيل من أربعة أوجه: أحدها: قوله: { نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِى بُطُونِهَا } والمراد منه جميع وجوه الانتفاع بألبانها، ووجه الاعتبار فيه أنها تجتمع في الضروع وتتخلص من بين الفرث والدم بإذن الله تعالى، فتستحيل إلى طهارة وإلى لون وطعم موافق للشهوة وتصير غذاء، فمن استدل بذلك على قدرة الله وحكمته. كان ذلك معدوداً في النعم الدينية ومن انتفع به فهو في نعمة الدنيا، وأيضاً فهذه الألبان التي تخرج من بطونها إلى ضروعها تجدها شراباً طيباً، وإذا ذبحتها لم تجد لها أثراً، وذلك يدل على عظيم قدرة الله تعالى. قال صاحب «الكشاف» وقرىء تسقيكم بتاء مفتوحة، أي تسقيكم الأنعام وثانيها: قوله: { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَـٰفِعُ كَثِيرَةٌ } وذلك بيعها والانتفاع بأثمانها وما يجري مجرى ذلك وثالثها: قوله: { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } يعني كما تنتفعون بها وهي حية تنتفعون بها بعد الذبح أيضاً بالأكل ورابعها: قوله: { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } لأن وجه الانتفاع بالإبل في المحمولات على البر بمنزلة الانتفاع بالفلك في البحر، ولذلك جمع بين الوجهين في إنعامه لكي يشكر على ذلك ويستدل به، واعلم أنه سبحانه وتعالى لما بين دلائل التوحيد أردفها بالقصص كما هو العادة في سائر السور وهي ههنا.