التفاسير

< >
عرض

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
١٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٣
وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٤
-النمل

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن أكثر ما في هذا الآيات قد مر شرحه، ولنذكر ما هو من خواص هذا الموضع: يقال علام عطف قوله: { وَأَلْقِ عَصَاكَ }؟ جوابه: على { { بُورِكَ } [النمل: 8] لأن المعنى: نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك، كلاهما تفسير لنودي.

أما قوله: { كَأَنَّهَا جَانٌّ } فالجان الحية الصغيرة، سميت جاناً، لأنها تستتر عن الناس، وقرأ الحسن { جَانٌّ } على لغة من يهرب من التقاء الساكنين، فيقول شأبة ودأبة.

أما قوله: { وَلَمْ يُعَقّبْ } معناه لم يرجع، يقال عقب المقاتل إذا (مر) بعد الفرار، وإنما خاف لظنه أن ذلك لأمر أريد به، ويدل عليه { إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } وقال بعضهم: المراد إني إذا أمرتهم بإظهار معجز فينبغي أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة.

أما قوله تعالى: { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } معناه لكن من ظلم وهو محمول على ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل أو الصغيرة، ويحتمل أن يكون المقصود منه التعريض بما وجد من موسى وهو من التعريضات اللطيفة. قال الحسنرحمه الله : كان والله موسى ممن ظلم بقتل القبطي ثم بدل، فإنه عليه السلام قال: { { رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَٱغْفِرْ لِى } [القصص: 16] وقرىء (ألا من ظلم) بحرف التنبيه.

أما قوله تعالى: { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوء } فالمراد حسن التوبة وسوء الذنب، وعن أبي بكر في رواية عاصم (حسناً). أما قوله: { في تسع آيات } فهو كلام مستأنف، وحرف الجر فيه يتعلق بمحذوف، والمعنى اذهب في تسع آيات إلى فرعون، ولقائل أن يقول: كانت الآيات إحدى عشرة، اثنتان منها اليد والعصا، والتسع: الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم.

أما قوله: { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءايَـٰتُنَا مُبْصِرَةً } فقد جعل الإبصار لها، وهو في الحقيقة لمتأملها، وذلك بسبب نظرهم وتفكرهم فيها، أو جعلت كأنها لظهورها تبصر فتهتدي، وقرأ علي بن الحسين وقتادة { مُبْصِرَةً } وهو نحو مجبنة ومبخلة، أي مكاناً يكثر فيه التبصر.

أما قوله: { وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ } فالواو فيها واو الحال، وقد بعدها مضمرة وفائدة ذكر الأنفس أنهم جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم، والاستيقان أبلغ من الإيقان.

أما قوله: { ظُلْماً وَعُلُوّاً } فأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات بينة من عند الله تعالى، ثم كابر بتسميتها سحراً بيناً. وأما العلو فهو التكبر والترفع عن الإيمان بما جاء به موسى كقوله: { { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَـٰلِينَ } [المؤمنون: 46] وقرىء (علياً) و(علياً) بالضم والكسر، كما قرىء (عتياً) و { { عِتِيّاً } [مريم: 8، 69]، والله أعلم.