التفاسير

< >
عرض

هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ
٣
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
-لقمان

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

فقوله { هُدًى } أي بياناً وفرقاناً، وأما التفسير فمثل تفسير قوله تعالى: { { الم * ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى } [البقرة: 1 و2] وكما قيل هناك إن المعنى بذلك هذا، كذلك قيل بأن المراد بتلك هذه، ويمكن أن يقال كما قلنا هناك إن تلك إشارة إلى الغائب معناها آيات القرآن آيات الكتاب الحكيم وعند إنزال هذه الآيات التي نزلت مع { الم * تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ } لم تكن جميع الآيات نزلت فقال تلك إشارة إلى الكل أي آيات القرآن تلك آيات، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قال في سورة البقرة { { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة: 2] ولم يقل الحكيم، وههنا قال { ٱلْحَكِيمُ } [لقمان: 2] فلما زاد ذكر وصف الكتاب زاد ذكر أمر في أحواله فقال: { هُدًى وَرَحْمَةً } وقال هناك { { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2] فقوله: { هُدًى } في مقابلة قوله: { ٱلْكِتَـٰبِ } وقوله: { وَرَحْمَةً } في مقابلة قوله: { ٱلْحَكِيمُ } ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذي الحكم كقوله تعالى: { { فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21] أي ذات رضا.

المسألة الثانية: قال هناك { لّلْمُتَّقِينَ } وقال ههنا { لّلْمُحْسِنِينَ } لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئاً آخر قال: { لّلْمُتَّقِينَ } أي يهتدي به من يتقي الشرك والعناد والتعصب، وينظر فيه من غير عناد، ولما زاد ههنا رحمة قال: { لّلْمُحْسِنِينَ } أي المتقين الشرك والعناد الآتين بكلمة الإحسان فالمحسن هو الآتي بالإيمان والمتقي هو التارك للكفر، كما قال تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [النحل: 128] ومن جانب الكفر كان متقياً وله الجنة، ومن أتى بحقيقة الإيمان كان محسناً وله الزيادة لقوله تعالى: { { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26] ولأنه لما ذكر أنه رحمة قال: { لّلْمُحْسِنِينَ } لأن رحمة الله قريب من المحسنين.

المسألة الثالثة: قال هناك { { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ } [البقرة: 3] وقال ههنا { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } ولم يقل يؤمنون لما بينا أن المتقي هو التارك للكفر ويلزمه أن يكون مؤمناً والمحسن هو الآتي بحق الإيمان، ويلزمه أن لا يكون كافراً، فلما كان المتقي دالاً على المؤمن في الالتزام صرح بالإيمان هناك تبييناً ولما كان المحسن دالاً على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } قد ذكرنا ما في الصلاة وإقامتها مراراً وما في الزكاة والقيام بها، وذكرنا في تفسير الأنفال في أوائلها أن الصلاة ترك التشبه بالسيد فإنها عبادة صورة وحقيقة والله تعالى تجب له العبادة ولا تجوز عليه العبادة، وترك التشبه لازم على العبد أيضاً في أمور فلا يجلس عند جلوسه ولا يتكىء عند اتكائه، والزكاة تشبه بالسيد فإنها دفع حاجة الغير والله دافع الحاجات، والتشبه لازم على العبد أيضاً في أمور، كما أن عبد العالم لا يتلبس بلباس الأجناد، وعبد الجندي لا يتلبس بلباس الزهاد، وبهما تتم العبودية.