التفاسير

< >
عرض

يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
٣٠
-الأحزاب

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

لما خيرهن النبـي صلى الله عليه وسلم واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهددهن للتوقي عما يسوء النبـي عليه السلام ويقبح بهن من الفاحشة التي هي أصعب على الزوج من كل ما تأتي به زوجته وأوعدهن بتضعيف العذاب وفيه حكمتان إحداهما: أن زوجة الغير تعذب على الزنا بسبب ما في الزنا من المفاسد وزوجة النبـي تعذب إن أتت به لذلك ولإيذاء قلبه والإزراء بمنصبه، وعلى هذا بنات النبـي عليه السلام كذلك ولأن امرأة لو كانت تحت النبـي صلى الله عليه وسلم وأتت بفاحشة تكون قد اختارت غير النبـي عليه السلام، ويكون ذلك الغير خيراً عندها من النبـي وأولى، والنبـي أولى من النفس التي هي أولى من الغير، فقد نزلت منصب النبـي مرتبتين فتعذب من العذاب ضعفين ثانيتهما: أن هذا إشارة إلى شرفهن، لأن الحرة عذابها ضعف عذاب الأمة إظهاراً لشرفها، ونسبة النبـي إلى غيره من الرجال نسبة السادات إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم، فكذلك زوجاته وقرائبه اللاتي هن أمهات المؤمنين، وأم الشخص امرأة حاكمة عليه واجبة الطاعة، وزوجته مأمورة محكومة له وتحت طاعته، فصارت زوجة الغير بالنسبة إلى زوجة النبـي عليه السلام كالأمة بالنسبة إلى الحرة، واعلم أن قول القائل من يفعل ذلك في قوة قوله: { { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65] من حيث إن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر، ولا يقع في بعض الصور جزماً وفي بعض يقع جزماً من مات فقد استراح، وفي البعض يتردد السامع في الأمرين، فقوله تعالى: { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ } عندنا من القبيل الأول، فإن الأنبياء صان الله زوجاتهم عن الفاحشة، وقوله تعالى: { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي ليس كونكن تحت النبـي عليه السلام وكونكن شريفات جليلات مما يدفع العذاب عنكن، وليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهم وأعوانهم أو شفعائهم وإخوانهم.