التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
٥٨
-الأحزاب

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

لما كان الله تعالى مصلياً على نبيه لم ينفك إيذاء الله عن إيذانه، فإن من آذى الله فقد آذى الرسول فبين الله للمؤمنين أنكم إن أتيتم بما أمرتكم وصليتم على النبـي كما صليت عليه، لا ينفك إيذاؤكم عن إيذاء الرسول فيأثم من يؤذيكم لكون إيذائكم إيذاء الرسول، كما أن إيذائي إيذاؤه وبالجملة لما حصلت الصلاة من الله والملائكة والرسول والمؤمنين صار لا يكاد ينفك إيذاء أحد منهم عن إيذاء الآخر كما يكون حال الأصدقاء الصادقين في الصداقة، وقوله: { بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } احتراز عن الأمر بالمعروف من غير عنف زائد، فإن من جلد مائة على شرب الخمر أو حد أربعين على لعب النرد آذى بغير ما اكتسب أيضاً، ومن جلد على الزنا أو حد الشرب لم يؤذ بغير ما اكتسب، ويمكن أن يقال لم يؤذ أصلاً لأن ذلك إصلاح حال المضروب، وقوله: { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً } البهتان هو الزور وهو لا يكون إلا في القول والإيذاء قد يكون بغير القول فمن آذى مؤمناً بالضرب أو أخذ ماله لا يكون قد احتمل بهتاناً، فنقول: المراد والذين يؤذون المؤمنين بالقول. وهذا لأن الله تعالى أراد إظهار شرف المؤمن، فلما ذكر أن من آذى الله ورسوله لعن، وإيذاء الله بأن ينكر وجود الله بعد معرفة دلائل وجوده أو يشرك به من لا يبصر ولا يسمع أو من لا يقدر ولا يعلم أو من هو محتاج في وجوده إلى موجد وهو قول ذكر إيذاء المؤمن بالقول، وعلى هذا خص الأنبياء بالقول بالذكر لأنه أعم وأتم، وذلك لأن الإنسان لا يقدر أن يؤذي الله بما يؤلمه من ضرب أو أخذ ما يحتاج إليه فيؤذيه بالقول، ولأن الفقير الغائب لا يمكن إيذاؤه بالفعل، ويمكن إيذاؤه بالقول بأن يقول فيه ما يصل إليه فيتأذى، والوجه الثاني في / الجواب هو أن نقول قوله بعد ذلك: { وَإِثْماً مُّبِيناً } مستدرك فكأنه قال احتمل بهتاناً إن كان بالقول وإثماً مبيناً كيفما كان الإيذاء، وكيفما كان فإن الله خص الإيذاء القولي بالذكر لما بينا أنه أعم ولأنه أتم لأنه يصل إلى القلب، فإن الكلام يخرج من القلب واللسان دليله ويدخل في القلب والآذان سبيله.