التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
٤٨
-سبأ

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيه وجهان أحدهما: يقذف بالحق في قلوب المحقين، وعلى هذا الوجه للآية بما قبلها تعلق، وذلك من حيث إن الله تعالى لما بين رسالة النبـي صلى الله عليه وسلم بقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ } وأكده بقوله: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } وكان من عادة المشركين استبعاد تخصيص واحد من بينهم بإنزال الذكر عليه، كما قال تعالى عنهم: { { أأنزل عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل } [صۤ: 8] ذكر ما يصلح جواباً لهم فقال: { قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } أي في القلوب إشارة إلى أن الأمر بيده يفعل ما يريد ويعطي ما يشاء لمن يشاء.

ثم قال تعالى: { عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } إشارة إلى جواب سؤال فاسد يذكر عليه وهو أن من يفعل شيئاً كما يريد من غير اختصاص محل الفعل بشيء لا يوجد في غيره لا يكون عالماً وإنما فعل ذلك اتفاقاً، كما إذا أصاب السهم موضعاً دون غيره مع تسوية المواضع في المحاذاة فقال: { يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } كيف يشاء وهو عالم بما يفعله وعالم بعواقب ما يفعله فهو يفعل ما يريد لا كما يفعله الهاجم الغافل عن العواقب إذ هو علام الغيوب الوجه الثاني: أن المراد منه هو أنه يقذف بالحق على الباطل كما قال في سورة الأنبياء: { { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ } [الأنبياء: 18] وعلى هذا تعلق الآية بما قبلها أيضاً ظاهر وذلك من حيث إن براهين التوحيد لما ظهرت ودحضت شبههم قال: { قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } أي على باطلكم، وقوله: { عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } على هذا الوجه له معنى لطيف وهو أن البرهان الباهر المعقول الظاهر لم يقم إلا على التوحيد والرسالة، وأما الحشر فعلى وقوعه لا برهان غير إخبار الله تعالى عنه، وعن أحواله وأهواله، ولولا بيان الله بالقول لما بان لأحد بخلاف التوحيد والرسالة، فلما قال: { يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } أي على الباطل، إشارة إلى ظهور البراهين على التوحيد والنبوة قال: { عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } أي ما يخبره عن الغيب وهو قيام الساعة وأحوالها فهو لا خلف فيه فإن الله علام الغيوب، والآية تحتمل تفسيراً آخر وهو أن يقال: { رَبّى يَقْذِفُ بِٱلْحَقّ } أي ما يقذفه يقذفه بالحق لا بالباطل والباء على الوجهين الأولين متعلق بالمفعول به أي الحق مقذوف وعلى هذا الباء فيه كالباء في قوله: { { وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقّ } [الزمر: 69] وفي قوله: { { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ } [صۤ: 26] والمعنى على هذا الوجه هو أن الله تعالى قذف ما قذف في قلب الرسل وهو علام الغيوب يعلم ما في قلوبهم وما في قلوبكم.