التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
٣١
-فاطر

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ }.

لما بين الأصل الأول وهو وجود الله الواحد بأنواع الدلائل من قوله: { { وَٱللَّهُ ٱلَّذِي أَرْسَلَ الرياح } [فاطر:9] وقوله: { { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ } [فاطر:11] وقوله: { { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ } [فاطر:27] ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة، فقال: { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ } وأيضاً كأنه قد ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم الله فقال: { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ } تقريراً لما بين من الأجر والثواب في تلاوة كتاب الله فإنه حق وصدق فتاليه محق ومحقق وفي تفسيرها مسائل:

المسألة الأولى: قوله: { مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يحتمل أن يكون لابتداء الغاية كما يقال أرسل إلى كتاب من الأمير أو الوالي وعلى هذا فالكتاب بمكن أن يكون المراد منه اللوح المحفوظ يعني الذي أوحينا من اللوح المحفوظ إليك حق، ويمكن أن يكون المراد هو القرآن يعني الإرشاد والتبيين الذي أوحينا إليك من القرآن ويحتمل أن يكون للبيان كما يقال أرسل إلى فلان من الثياب والقماش جملة.

المسألة الثانية: قوله: { هُوَ ٱلْحَقُّ } آكد من قول القائل الذي أوحينا إليك حق من وجهين أحدهما أن تعريف الخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور لأن الخبر في الأكثر يكن نكرة، لأن الإخبار في الغالب يكون إعلاماً بثبوت أمر لا معرفة للسامع به لأمر يعرفه السامع كقولنا زيد قام فإن السامع ينبغي أن يكون عارفاً بزيد ولا يعلم قيامه فيخبر به، فإذا كان الخبر أيضاً معلوماً فيكون الإخبار للتنبيه فيعرفان باللام كقولنا زيد العالم في هذه المدينة إذا كان علمه مشهوراً.

المسألة الثالثة: قوله: { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } حال مؤكدة لكونه حقاً لأن الحق إذا كان لا خلاف بينه وبين كتب الله يكون خالياً عن احتمال البطلان وفي قوله { مصدقاً } تقرير لكونه وحياً لأن النبـي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن قارئاً كاتباً وأتى ببيان ما في كتب الله لا يكون ذلك إلا من الله تعالى وجواب عن سؤال الكفار وهو أنهم كانوا يقولون بأن التوراة ورد فيها كذا والإنجيل ذكر فيه كذا وكانوا يفترون من التثليث وغيره وكانوا يقولون بأن القرآن فيه خلاف ذلك فقال التوراة والإنجيل لم يبق بهما وثوق بسبب تغييركم فهذا القرآن ما ورد فيه إن كان في التوراة فهو حق وباق على ما نزل، وإن لم يكن فيه ويكون فيه خلاف فهو ليس من التوراة، فالقرآن مصدق للتوراة وفيه وجه آخر: وهو أن يقال إن هذا الوحي مصدق لما تقدم لأن الوحي لو لم يكن وجوده لكذب موسى وعيسى عليهما السلام في إنزال التوراة والإنجيل فإذا وجد الوحي ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم علم جوازه وصدق به ما تقدم، وعلى هذا ففيه لطيفة: وهي أنه تعالى جعل القرآن مصدقاً لما مضى مع أن ما مضى أيضاً مصدق له لأن الوحي إذا نزل على واحد جاز أن ينزل على غيره وهو محمد صلى الله عليه وسلم ولم يجعل ما تقدم مصدقاً للقرآن كونه معجزة يكفي في تصديقه بأنه وحي، وأما ما تقدم فلا بد معه من معجزة تصدقه.

المسألة الرابعة: قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } فيه وجهان: أحدهما أنه تقرير لكونه هو الحق لأنه وحي من الله والله خبير عالم بالبواطن بصير عالم بالظواهر، فلا يكون باطلاً في وحيه لا في الباطن ولا في الظاهر وثانيهما: أن يكون جواباً لما كانوا يقولونه إنه لم لم ينزل على رجل عظيم؟ فيقال إن الله بعباده لخبير يعلم بواطنهم وبصير يرى ظواهرهم فاختار محمداً عليه السلام ولم يختر غيره فهو أصلح من الكل.