التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ
٢٨
-يس

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

إشارة إلى هلاكهم بعده سريعاً على أسهل وجه فإنه لم يحتج إلى إرسال جند يهلكهم، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قال ههنا: { وَمَا أَنزَلْنَا } بإسناد الفعل إلى النفس، وقال في بيان حال المؤمن { { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } [يس: 26] بإسناد القول إلى غير مذكور، وذلك لأن العذاب من باب الهيبة فقال بلفظ التعظيم، وأما في: { ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } فقال (قيل) ليكون هو كالمهنأ بقول الملائكة حيث يقول له كل ملك وكل صالح يراه ادخل الجنة خالداً فيها، وكثيراً ما ورد في القرآن قوله تعالى: { وَقِيلَ أَدْخِلُواْ } إشارة إلى أن الدخول يكون دخولاً بإكرام كما يدخل العريس البيت المزين على رؤوس الأشهاد يهنئه كل أحد.

المسألة الثانية: لم أضاف القوم إليه مع أن الرسول أولى بكون الجمع قوماً لهم فإن الواحد يكون له قوم هم آله وأصحابه والرسول لكونه مرسلاً يكون جميع الخلق وجميع من أرسل إليهم قوماً له؟ نقول لوجهين أحدهما: ليبين الفرق بين اثنين هما من قبيلة واحدة أكرم أحدهما غاية الإكرام بسبب الإيمان وأهين الآخر غاية الإهانة بسبب الكفر، وهذا من قوم أولئك في النسب وثانيهما: أن العذاب كان مختصاً بأقارب ذلك، لأن غيرهم من قوم الرسل آمنوا بهم فلم يصبهم العذاب.

المسألة الثانية: خصص عدم الإنزال بما بعده والله تعالى لم ينزل عليهم جنداً قبله أيضاً فما فائدة التخصيص؟ نقول استحقاقهم العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا فبين حال الهلاك أنه لم يكن بجند.

المسألة الرابعة: قال: { مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } وهو تعالى لم ينزل عليهم ولا أرسل إليهم جنداً من الأرض فما فائدة التقييد؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن يكون المراد وما أنزلنا عليهم جنداً بأمر من السماء فيكون للعموم وثانيهما: أن العذاب نزل عليهم من السماء فبين أن النازل لم يكن جنداً لهم عظمة وإنما كان ذلك بصيحة أخمدت نارهم وخربت ديارهم.

المسألة الخامسة: { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أية فائدة فيه مع أن قوله: { وَمَا أَنزَلْنَا } يستلزم أنه لا يكون من المنزلين؟ نقول قوله: { وَمَا كُنَّا } أي ما كان ينبغي لنا أن ننزل لأن الأمر كان يتم بدون ذلك فما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى إنزال، أو نقول: { وَمَا أَنزَلْنَا... وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } في مثل تلك الواقعة جنداً في غير تلك الواقعة، فإن قيل فكيف أنزل الله جنوداً في يوم بدر وفي غير ذلك حيث قال: { { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [التوبة: 26]؟ نقول ذلك تعظيماً لمحمد صلى الله عليه وسلم وإلا كان تحريك ريشة من جناح ملك كافياً في استئصالهم وما كان رسل عيسى عليه السلام في درجة محمد صلى الله عليه وسلم.