التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ
١٤
-محمد

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن هذا إشارة إلى الفرق بين النبي عليه السلام والكفار ليعلم أن إهلاك الكفار ونصرة النبي عليه السلام في الدنيا محقق، وأن الحال يناسب تعذيب الكافر وإثابة المؤمن، وقوله { عَلَىٰ بَيّنَةٍ } فرق فارق، وقوله { مّن رَّبّهِ } مكمل له، وذلك أن البينة إذا كانت نظرية تكون كافية للفرق بين المتمسك بها وبين القائل قولاً لا دليل عليه، فإذا كانت البينة منزلة من الله تعالى تكون أقوى وأظهر فتكون أعلى وأبهر، ويحتمل أن يقال قوله { مّن رَّبّهِ } ليس المراد إنزالها منه بل المراد كونها من الرب بمعنى قوله { { يَهْدِي مَن يَشَآء } [المدثر: 31] وقولنا الهداية من الله، وكذلك قوله تعالى: { كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } فرق فارق، وقوله { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ } تكملة وذلك أن من زين له سوء عمله وراجت الشبهة عليه في مقابلة من يتبين له البرهان وقبله، لكن من راجت الشبهة عليه قد يتفكر في الأمر ويرجع إلى الحق، فيكون أقرب إلى من هو على البرهان، وقد يتبع هواه ولا يتدبر في البرهان ولا يتفكر في البيان فيكون في غاية البعد، فإذن حصل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمن مع الكافر في طرفي التضاد وغاية التباعد حتى مدهم بالبينة، والكافر له الشبهة وهو مع الله وأولئك مع الهوى وعلى قولنا { مّن رَّبّهِ } معناه الإضافة إلى الله، كقولنا الهداية من الله، فقوله { ٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } مع ذلك القول يفيد معنى قوله تعالى: { { مَّا أَصَـٰبَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء: 79] وقوله { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } بصيغة التوحيد محمول على لفظة من، وقوله { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } محمول على معناه فإنها للجميع والعموم، وذلك لأن التزيين للكل على حد واحد فحمل على اللفظ لقربه منه في الحس والذكر، وعند اتباع الهوى كل أحد يتبع هوى نفسه، فظهر التعدد فحمل على المعنى.