التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً
١٧
-الفتح

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

بين من يجوز له التخلف وترك الجهاد وما بسببه يجوز ترك الجهاد وهو ما يمنع من الكر والفر وبين ذلك ببيان ثلاثة أصناف الأول: { ٱلأَعْمَىٰ } فإنه لا يمكنه الإقدام على العدو والطلب ولا يمكنه الاحتراز والهرب، والأعرج كذلك والمريض كذلك، وفي معنى الأعرج الأقطع والمقعد، بل ذلك أولى بأن يعذر، ومن به عرج لا يمنعه من الكر والفر لا يعذر، وكذلك المرض القليل الذي لا يمنع من الكر والفر كالطحال والسعال إذ به يضعف وبعض أوجاع المفاصل لا يكون عذراً وفيه مسائل:

المسألة الأولى: أن هذه أعذار تكون في نفس المجاهد ولنا أعذار خارجة كالفقر الذي لا يتمكن صاحبه من استصحاب ما يحتاج إليه والاشتغال بمن لولاه لضاع كطفل أو مريض، والأعذار تعلم من الفقه ونحن نبحث فيما يتعلق بالتفسير في بيان مسائل:

المسألة الأولى: ذكر الأعذار التي في السفر، لأن غيرها ممكن الإزالة بخلاف العرج والعمى.

المسألة الثانية: اقتصر منها على الأصناف الثلاثة، لأن العذر إما أن يكون بإختلال في عضو أو بإخلال في القوة، والذي بسبب إخلال العضو، فإما أن يكون بسبب اختلال في العضو الذي به الوصول إلى العدو والانتقال في مواضع القتال، أو في العضو الذي تتم به فائدة الحصول في المعركة والوصول، والأول: هو الرجل، والثاني: هو العين، لأن بالرجل يحصل الانتقال، وبالعين يحصل الانتفاع في الطلب والهرب. وأما الأذن والأنف واللسان وغيرها من الأعضاء، فلا مدخل لها في شيء من الأمرين، بقيت اليد، فإن المقطوع اليدين لا يقدر على شيء، وهو عذر واضح ولم يذكره، نقول: لأن فائدة الرجل وهي الانتقال تبطل بالخلل في إحداهما، وفائدة اليد وهي الضراب والبطش لا تبطل إلا ببطلان اليدين جميعاً، ومقطوع اليدين لا يوجد إلا نادراً، ولعل في جماعة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد مقطوع اليدين فلم يذكره، أو لأن المقطوع ينتفع به في الجهاد، فإنه ينظر ولولاه لاستقل به مقاتل فيمكن أن يقاتل، وهو غير معذور في التخلف، لأن المجاهدين ينتفعون به بخلاف الأعمى، فإن قيل كما أن مقطوع اليد الواحدة لا تبطل منفعة بطشه كذلك الأعور لا تبطل منفعة رؤيته، وقد ذكر الأعمى، وما ذكر الأشل وأقطع اليدين، قلنا لما بينا أن مقطوع اليدين نادر الوجود والآفة النازلة بإحدى اليدين لا تعمهما والآفة النازلة بالعين الواحدة تعم العينين لأن منبع النور واحد وهما متجاذبان والوجود يفرق بينهما، فإن الأعمى كثير الوجود ومقطوع اليدين نادر.

المسألة الثالثة: قدم الآفة في الآلة على الآفة في القوة، لأن الآفة في القوة تزول وتطرأ، والآفة في الآلة إذ طرأت لا تزول، فإن الأعمى لا يعود بصيراً فالعذر في محل الآلة أتم.

المسألة الرابعة: قدم الأعمى على الأعرج، لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال، والأعرج إن حضر راكباً أو بطريق آخر يقدر على القتال بالرمي وغيره.