التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨٣
-المائدة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ثم قال تعالى: { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } الضمير في قوله { سَمِعُواْ } يرجع إلى القسيسين والرهبان الذين آمنوا منهم { وَمَا أَنَزلَ } يعني القرآن إلى الرسول يعني محمداً عليه الصلاة والسلام قال ابن عباس: يريد النجاشي وأصحابه، وذلك لأن جعفر الطيار قرأ عليهم سورة مريم، فأخذ النجاشي تبنة من الأرض وقال: والله ما زاد على ما قال الله في الإنجيل مثل هذا، وما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة، وأما قوله { تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } ففيه وجهان: الأول: المراد أن أعينهم تمتلىء من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلىء الإناء وغيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه. الثاني: أن يكون المراد المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها.

وأما قوله تعالى: { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ } أي مما نزل على محمد وهو الحق.

فإن قيل: أي فرق بين (من) وبين (من) في قوله { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ }.

قلنا: الأولى: لابتداء الغاية، والتقدير: أن فيض الدمع إنما ابتدىء من معرفة الحق، وكان من أجله وبسببه، والثانية: للتبعيض، يعني أنهم عرفوا بعض الحق وهو القرآن فأبكاهم الله، فكيف لو عرفوا كله.

وأما قوله تعالى: { يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا } أي بما سمعنا وشهدنا أنه حق { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } وفيه وجهان: الأول: يريد أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذين يشهدون بالحق، وهو مأخوذ من قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } [البقرة: 143] والثاني: أي مع كل من شهد من أنبيائك ومؤمني عبادك بأنك لا إله غيرك. وأما قوله تعالى: