التفاسير

< >
عرض

لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفي الآية ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأنه تعالى بدأ ببيان إكرامهم حيث قال: { { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الشعراء: 90] ولم يقل: قرب المتقون من الجنة بياناً للإكرام حيث جعلهم ممن تنقل إليهم الجنان بما فيها من الحسان، ثم قال لهم هذا لكم، بقوله: { { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } [قۤ: 32] ثم بيّن أنه أجر أعمالهم الصالحة بقوله: { { لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } وقوله { { مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [قۤ: 33] فإن تصرف المالك الذي ملك شيئاً بعوض أتم فيه من تصرف من ملك بغير عوض، لإمكان الرجوع في التمليك بغير عوض، ثم زاد في الإكرام بقوله: { ٱدْخُلُوهَا } [قۤ: 34] كما بينا أن ذلك إكرام، لأن من فتح بابه للناس، ولم يقف ببابه من يرحب الداخلين، لا يكون قد أتى بالإكرام التام، ثم قال: { { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } [قۤ: 34] أي لا تخافوا ما لحقكم من قبل حيث أخرج أبويكم منها، فهذا دخول لا خروج بعده منها.

ثم لما بيّن أنهم فيها خالدون قال: لا تخافوا انقطاع أرزاقكم وبقاءكم في حاجة، كما كنتم في الدنيا من كان يعمر ينكس ويحتاج، بل لكم الخلود، ولا ينفد ما تمتعون به فلكم ما تشاءون في أي وقت تشاءون، وإلى الله المنتهى، وعند الوصول إليه، والمثول بين يديه، فلا يوصف ما لديه، ولا يطلع أحد عليه، وعظمة من عنده تدلك على فضيلة ما عنده، هذا هو الترتيب، وأما التفسير، ففيه مسألتان:

المسألة الأولى: قال تعالى: { { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ } [قۤ: 34] على سبيل المخاطبة، ثم قال: { لَهُمْ } ولم يقل لكم ما الحكمة فيه؟ الجواب: عنه من وجوه. الأول: هو أن قوله تعالى: { ٱدْخُلُوهَا } مقدر فيه يقال لهم، أي يقال لهم { ٱدْخُلُوهَا } فلا يكون على هذا التفاتاً. الثاني: هو أنه من باب الالتفات والحكمة الجمع بين الطرفين، كأنه تعالى يقول: أكرمهم به في حضورهم، ففي حضورهم الحبور، وفي غيبتهم الحور والقصور. والثالث: هو أن يقال قوله تعالى: { لَهُمْ } جاز أن يكون كلاماً مع الملائكة، يقول للملائكة: توكلوا بخدمتهم، واعلموا أن لهم ما يشاءون فيها، فأحضروا بين أيديهم ما يشاءون، وأما أنا فعندي ما لا يخطر ببالهم، ولا تقدرون أنتم عليه.

المسألة الثانية: قد ذكرنا أن لفظ { { مَّزِيدٍ } [قۤ:30] يحتمل أن يكون معناه الزيادة، فيكون كما في قوله تعالى: { { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26] ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، أي عندنا ما نزيده على ما يرجون وما يكون مما يشتهون: