التفاسير

< >
عرض

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ثم قال تعالى: { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ }.

الإشارة إلى الإهلاك ويحتمل أن يقال هو إشارة إلى ما قاله من إزلاف الجنة وملء جهنم وغيرهما، والذكرى اسم مصدر هو التذكر والتذكرة وهي في نفسها مصدر ذكره يذكره ذكراً وذكرى وقوله لمن { كَانَ لَهُ قَلْبٌ } قيل: المراد قلب موصوف بالوعي، أي لمن كان له قلب واع يقال لفلان مال أي كثير فالتنكير يدل على معنى في الكمال، والأولى أن يقال هو لبيان وضوح الأمر بعد الذكر وأن لا خفاء فيه لمن كان له قلب ما ولو كان غير كامل، كما يقال أعطه شيئاً ولو كان درهماً، ونقول الجنة لمن عمل خيراً ولو حسنة، فكأنه تعالى قال: إن في ذلك لذكرى لمن يصح أن يقال له قلب وحينئذ فمن لا يتذكر لا قلب له أصلاً كما في قوله تعالى: { { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [البقرة: 18] حيث لم تكن آذانهم وألسنتهم وأعينهم مفيدة لما يطلب منها كذلك من لا يتذكر كأنه لا قلب له، ومنه قوله تعالى: { { كَٱلأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179] أي هم كالجماد وقوله تعالى: { { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } [المنافقون: 4] أي لهم صور وليس لهم قلب للذكر ولا لسان للشكر.

وقوله تعالى: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } أي استمع وإلقاء السمع كناية في الاستماع، لأن من لا يسمع فكأنه حفظ سمعه وأمسكه فإذا أرسله حصل الاستماع، فإن قيل على قول من قال التنكير في القلب للتكثير يظهر حسن ترتيب في قوله: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } وذلك لأنه يصير كأنه تعالى يقول: إن في ذلك لذكرى لمن كان ذا قلب واع ذكي يستخرج الأمور بذكائه أو ألقى السمع ويستمع من المنذر فيتذكر، وأما على قولك المراد من صح أن يقال له قلب ولو كان غير واع لا يظهر هذا الحسن، نقول على ما ذكرنا ربما يكون الترتيب أحسن وذلك لأن التقدير يصير كأنه تعالى قال: فيه ذكرى لكل واحد كيف كان له قلب لظهور الأمر، فإن كان لا يحصل لكل أحد فلمن يستمع حاصل ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } حيث لم يقل أو استمع لأن الاستماع ينبـىء عن طلب زائد، وأما إلقاء السمع فمعناه أن الذكرى حاصلة لمن لا يمسك سمعه بل يرسله إرسالاً، وإن لم يقصد السماع كالسامع في الصوت الهائل فإنه يحصل عند مجرد فتح الأذن وإن لم يقصد السماع والصوت الخفي لا يسمع إلا باستماع وتطلب، فنقول الذكرى حاصلة لمن كان له قلب كيف كان قلبه لظهورها فإن لم تحصل فلمن له أذن غير مسدودة كيف كان حاله سواء استمع باجتهاده أو لم يجتهد في سماعه، فإن قيل فقوله تعالى: { وَهُوَ شَهِيدٌ } للحال وهو يدل على أن إلقاء السمع بمجرده غير كاف، نقول هذا يصحح ما ذكرناه لأنا قلنا بأن الذكرى حاصلة لمن له قلب ما، فإن لم تحصل له فتحصل له إذا ألقى السمع وهو حاضر بباله من القلب، وأما على الأول فمعناه من ليسه له قلب واع، يحصل له الذكر إذا ألقى السمع وهو حاضر بقلبه فيكون عند الحضور بقلبه يكون له قلب واع، وقد فرض عدمه هذا إذا قلنا بأن قوله: { وَهُوَ شَهِيدٌ } بمعنى الحال، وإذا لم نقل به فلا يرد ما ذكر وهو يحتمل غير ذلك بيانه هو أن يقال ذلك إشارة إلى القرآن وتقريره هو أن الله تعالى لما قال في أول السورة: { { ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ } [قۤ: 1، 2] وذكر ما يدفع تعجبهم وبين كونه منذراً صادقاً وكون الحشر أمراً واقعاً ورغب وأرهب بالثواب والعذاب آجلاً وعاجلاً وأتم الكلام قال: { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي القرآن الذي سبق ذكره { لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أو لمن يستمع، ثم قال: { وَهُوَ شَهِيدٌ } أي المنذر الذي تعجبتم منه شهيد كما قال تعالى: { { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } [الفتح: 8] وقال تعالى: { { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } [الحج: 78]. ثم قال تعالى: