التفاسير

< >
عرض

قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
٤

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

إشارة إلى دليل جواز البعث وقدرته تعالى عليه، وذلك لأن الله تعالى بجميع أجزاء كل واحد من الموتى لا يشتبه عليه جزء أحد على الآخر، وقادر على الجمع والتأليف، فليس الرجوع منه ببعد، وهذا كقوله تعالى: { { وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ } [يۤس: 81] حيث جعل للعلم مدخلاً في الإعادة، وقوله { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضَ } يعني لا تخفى علينا أجزاؤهم بسبب تشتتها في تخوم الأرضين، وهذا جواب لما كانوا يقولون { { أَءذَا ضَلَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ } [السجدة: 10] يعني أن ذلك إشارة إلى أنه تعالى كما يعلم أجزاؤهم يعلم أعمالهم من ظلمهم، وتعديهم بما كانوا يقولون وبما كانوا يعملون، ويحتمل أن يقال معنى قوله تعالى: { وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ } هو أنه عالم بتفاصيل الأشياء، وذلك لأن العلم إجمالي وتفصيلي، فالإجمالي كما يكون عند الإنسان الذي يحفظ كتاباً ويفهمه، ويعلم أنه إذا سئل عن أية مسألة تكون في الكتاب يحضر عنده الجواب، ولكن ذلك لا يكون نصب عينيه حرفاً بحرف، ولا يخطر بباله في حالة باباً باباً، أو فصلاً فصلاً، ولكن عند العرض على الذهن لا يحتاج إلى تجديد فكر وتحديد نظر، والتفصيلي مثل الذي يعبر عن الأشياء، والكتاب الذي كتب فيه تلك المسائل، وهذا لا يوجد عند الإنسان إلا في مسألة أو مسألتين. أما بالنسبة إلى كتاب فلا يقال: { وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ } يعني العلم عندي كما يكون في الكتاب أعلم جزءاً جزءاً وشيئاً شيئاً، والحفيظ يحتمل أن يكون بمعنى المحفوظ، أي محفوظ من التغيير والتبديل، ويحتمل أن يكون بمعنى الحافظ، أي حافظ أجزاءهم وأعمالهم بحيث لا ينسى شيئاً منها، والثاني هو الأصح لوجهين أحدهما: أن الحفيظ بمعنى الحافظ وارد في القرآن، قال تعالى: { { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [الأنعام: 104] وقال تعالى: { { وَٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } [الشورى: 6] ولأن الكتاب على ما ذكرنا للتمثيل فهو يحفظ الأشياء، وهو مستغن عن أن يحفظ.