التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ
٤٢

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

هذا تحقيق ما بينا من الفائدة في قوله: { { وَٱسْتَمِعْ } [قۤ: 41] أي لا تكن من الغافلين حتى لا تصعق يوم الصيحة، وبيانه هو أنه قال استمع أي كن قبل أن تستمع مستيقظاً لوقوعه، فإن السمع لا بد منه أنت وهم فيه سواء فهم يسمعون لكن من غير استماع فيصعقون وأنت تسمع بعد الاستماع فلا يؤثر فيك إلا ما لا بد منه و { يَوْمٍ } يحتمل وجوهاً. أحدها: ما قاله الزمخشري أنه بدل من يوم في قوله: { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } والعامل فيهما الفعل الذي يدل عليه قوله تعالى: { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } [قۤ: 42] أي يخرجون يوم يسمعون. ثانيها: أن { يَوْمَ يَسْمَعُونَ } العامل فيه مما في قوله ذلك { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } العامل فيه ما ذكرنا. ثالثها: أن يقال استمع عامل في يوم ينادي كما ذكرنا وينادي عامل في يسمعون، وذلك لأن يوم ينادي وإن لم يجز أن يكون منصوباً بالمضاف إليه وهو ينادي لكن غيره يجوز أن يكون منصوباً به، يقال: اذكر حال زيد ومذلته يوم ضربه عمرو، ويوم كان عمرو والياً، إذا كان القائل يريد بيان مذلة زيد عندما صار زيد يكرم بسبب من الأسباب، فلا يكون يوم كان عمرو والياً منصوباً بقوله اذكر لأن غرض القائل التذكير بحال زيد ومذلته وذلك يوم الضرب، لكن يوم كان عمرو منصوب بقوله ضربه عمرو يوم كان والياً، فكذلك ههنا قال: { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } لئلا تكون ممن يفزع ويصعق، ثم بين هذا النداء بقوله: { يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } يوم يسمعون أي لا يكون نداءً خفياً بحيث لا يسمعه بعض الناس بل يكون نداؤه بحيث تكون نسبته إلى من في أقصى المغرب كنسبته إلى من في المشرق، وكلكم تسمعون، ولا شك أن مثل هذا الصوت يجب أن يكون الإنسان متهيئاً لاستماعه، وذلك يشغل النفس بعبادة الله تعالى وذكره والتفكير فيه فظهر فائدة جليلة من قوله: { فَٱصْبِرْ، وَسَبّحْ، وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ، وَيَوْمَ يَسْمَعُونَ } واللام في الصيحة للتعريف، وقد عرف حالها وذكرها الله مراراً كما في قوله تعالى: { { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } [يۤس: 29] وقوله { { فإنما هي زجرة واحدة } [الصافات: 19] وقوله: { { نَفْخَةٌ وٰحِدَةٌ } [الحاقة: 13] وقوله: { بِٱلْحَقّ } جاز أن يكون متعلقاً بالصيحة أي الصحة بالحق يسمعونها، وعلى هذا ففيه وجوه:

الأول: الحق الحشر أي الصيحة بالحشر وهو حق يسمعونها يقال صاح زيد بيا قوم اجتمعوا على حد استعمال تكلم بهذا الكلام وتقديره حينئذ يسمعون الصيحة بيا عظام اجتمعي وهو المراد بالحق. الثاني: الصيحة بالحق أي باليقين والحق هو اليقين، يقل صاح فلان بيقين لا بظن وتخمين أي وجد منه الصياح يقيناً لا كالصدى وغيره وهو يجري مجرى الصفة للصيحة، يقال استمع سماعاً بطلب، وصاح صيحة بقوة أي قوية فكأنه قال الصيحة المحققة. الثالث: أن يكون معناه الصيحة المقترنة بالحق وهو الوجود، يقال كن فيتحقق ويكون، ويقال اذهب بالسلام وارجع بالسعادة أي مقروناً ومصحوباً، فإن قيل زد بياناً فإن الباء في الحقيقة للإلصاق فكيف يفهم معنى الإلصاق في هذه المواضع؟ نقول التعدية قد تتحقق بالباء يقال ذهب بزيد على معنى ألصق الذهاب بزيد فوجد قائماً به فصار مفعولاً، فعلى قولنا المراد يسمعون صيحة من صاح بيا عظام اجتمعي هو تعدية المصدر بالباء يقال أعجبني ذهاب زيد بعمرو، وكذلك قوله: { ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقّ } أي ارفع الصوت على الحق وهو الحشر، وله موعد نبينه في موضع آخر إن شاء الله تعالى. الوجه الثاني: أن يكون الحق متعلقاً بقوله: { يَسْمَعُونَ } أي يسمعون الصيحة بالحق وفيه وجهان. الأول: هو قول القائل سمعته بيقين. الثاني: الباء في يسمعون بالحق قسم أي يسمعون الصيحة بالله الحق وهو ضعيف وقوله تعالى: { ذَلِكَ يَوْمُ } فيه وجهان. أحدهما: ذلك إشارة إلى يوم أي ذلك اليوم يوم الخروج. ثانيهما: ذلك إشارة إلى نداء المنادي. ثم قال تعالى: