التفاسير

< >
عرض

وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥٥
-الذاريات

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

يعني ليس التولي مطلقاً، بل تول وأقبل وأعرض وادع، فلا التولي يضرك إذا كان عنهم، ولا التذكير ينفع إلا إذا كان مع المؤمنين، وفيه معنى آخر ألطف منه، وهو أن الهادي إذا كانت هدايته نافعة يكون ثوابه أكثر، فلما قال تعالى: { فَتَوَلَّ } كان يقع لمتوهم أن يقول، فحينئذ لا يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ثواب عظيم، فقل بلى وذلك لأن في المؤمنين كثرة، فإذا ذكرتهم زاد هداهم، وزيادة الهدى من قوله كزيادة القوم، فإن قوماً كثيراً إذا صلّى كل واحد ركعة أو ركعتين، وقوماً قليلاً إذا صلّى كل واحد ألف ركعة تكون العبادة في الكثرة كالعبادة عن زيادة العدد، فالهادي له على عبادة كل مهتد أجر، ولا ينقص أجر المهتدي، قال تعالى: { { إِنَّ لَكَ لأَجْرًا } [القلم: 3] أي وإن توليت بسبب انتفاع المؤمنين بل وحالة إعراضك عن المعاندين، وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱلذّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يحتمل وجوهاً: أحدها: أن يراد قوة يقينهم كما قال تعالى: { { لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً } [الفتح: 4] وقال تعالى: { { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً } [التوبة: 124] وقال تعالى: { { زَادَهُمْ هُدًى وَءاتَـٰهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17] ثانيها: تنفع المؤمنين الذين بعدك فكأنك إذا أكثرت التذكير بالتكرير نقل عنك ذلك بالتواتر فينتفع به من يجيء بعدك من المؤمنين ثالثها: هو أن الذكرى إن أفاد إيمان كافر فقد نفع مؤمناً لأنه صار مؤمناً، وإن لم يفد يوجد حسنة ويزاد في حسنة المؤمنين فينتفعوا، وهذا هو الذي قيل في قوله تعالى: { { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا } [الزخرف: 72].