التفاسير

< >
عرض

فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ
٥٩
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٦٠
-الذاريات

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وهو مناسب لما قبله وذلك لأنه تعالى بيّن أن من يضع نفسه في موضع عبادة غير الله يكون وضع الشيء في غير موضعه فيكون ظالماً، فقال إذا ثبت أن الإنس مخلوقون للعبادة فإن الذين ظلموا بعبادة الغير لهم هلاك مثل هلاك من تقدم، وذلك لأن الشيء إذا خرج عن الانتفاع المطلوب منه، لا يحفظ وإن كان في موضع يخلي المكان عنه، ألا ترى أن الدابة التي لا يبقى منتفعاً بها بالموت أو بمرض يخلي عنها الإصطبل، والطعام الذي يتعفن يبدد ويفرغ منه الإناء، فكذلك الكافر إذا ظلم، ووضع نفسه في غير موضعه، خرج عن الانتفاع فحسن إخلاء المكان عنه وحق نزول الهلاك به، وفي التفسير مسائل:

المسألة الأولى: فيما يتعلق به الفاء، وقد ذكرنا لك في وجه التعلق.

المسألة الثانية: ما مناسبة الذنوب؟ نقول العذاب مصبوب عليهم، كأنه قال تعالى نصب من فوق رؤوسهم ذنوباً كذنوب صب فوق رؤوس أولئك، ووجه آخر وهو أن العرب يستقون من الآبار على النوبة ذنوباً فذنوباً وذلك وقت عيشهم الطيب، فكأنه تعالى قال: { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } من الدنيا وطيباتها { ذَنُوباً } أي ملاء، ولا يكون لهم في الآخرة من نصيب، كما كان عليه حال أصحابهم استقوا ذبوباً وتركوها، وعلى هذا فالذنوب ليس بعذاب ولا هلاك، وإنما هو رغد العيش وهو أليق بالعربية، وقوله تعالى: { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } فإن الرزق ما لم يفرغ لا يأتي الأجل.

ثم أعاد ما ذكر في أول السورة فقال: { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ }.

والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.