التفاسير

< >
عرض

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
١٢
-الطور

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

أي إذا علم أن عذاب الله واقع وأنه ليس له دافع فويل إذاً للمكذبين، فالفاء لاتصال المعنى، وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان، وذلك لأنه لما قال: { { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ } [الطور: 7] لم يبين بأن موقعه بمن، فلما قال: { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } علم المخصوص به وهو المكذب، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا قلت بأن قوله { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } بيان لمن يقع به العذاب وينزل عليه فمن لا يكذب لا يعذب، فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يكذبون، نقول ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر وهذا كما في قوله تعالى: { { كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا } [الملك: 8، 9] فنقول المؤمن لا يلقى فيها إلقاء بهوان، وإنما يدخل فيها ليظهر إدخال مع نوع إكرام، فكذلك الويل للمكذبين، والويل ينبىء عن الشدة وتركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن نوع شدة، منه لوى إذا دفع ولوى يلوي إذا كان قوياً والولي فيه القوة على المولى عليه، ويدل عليه قوله تعالى: { { يَدَّعُونَ } [الطور: 13] فإن المكذب يدع والمصدق لا يدع، وقد ذكرنا جواز التنكير في قوله { وَيْلٌ } مع كونه مبتدأ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء ومضى، وجهه في قوله تعالى: { { قَالَ سَلَـٰمٌ } [الذاريات: 25] والخوض نفسه خص في استعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل، ولهذا قال تعالى: { { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } [التوبة: 69] وقال تعالى: { { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ } [المدثر: 45] وتنكير الخوض يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون للتكثير أي في خوض كامل عظيم ثانيهما: أن يكون التنوين تعويضاً عن المضاف إليه، كما في قوله تعالى: { { إِلاً } [التوبة: 8] وقوله { { وَإِنَّ كُـلاًّ } [هود: 111] و { { بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } [البقرة: 251]. والأصل في خوضهم المعروف منهم وقوله { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ } ليس وصفاً للمكذبين بما يميزهم، وإنما هو للذم كما أنك تقول الشيطان الرجيم ولا تريد فصله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك أكرم الرجل العالم، فالوصف بالرجيم للذم به لا للتعريف وتقول في المدح: الله الذي خلق، والله العظيم للمدح لا للتمييز ولا للتعريف عن إلٰه لم يخلق أو إلٰه ليس بعظيم، فإن الله واحد لا غير.