التفاسير

< >
عرض

وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢٢
-الطور

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

أي زدناهم مأكولاً ومشروباً، أما المأكول فالفاكهة واللحم، وأما المشروب فالكأس الذي يتنازعون فيها، وفي تفسيرها لطائف:

اللطيفة الأولى: لما قال: { { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذرياتهم } [الطور: 21] بين الزيادة ليكون ذلك جارياً على عادة الملوك في الدنيا إذا زادوا في حق عبد من عبيدهم يزيدون في أقدار أخبازهم وأقطاعهم، واختار من المأكول أرفع الأنواع وهو الفاكهة واللحم فإنهما طعام المتنعمين، وجمع أوصافاً حسنة في قوله { مما يشتهون }، لأنه لو ذكر نوعاً فربما يكون ذلك النوع غير مشتهى عند بعض الناس فقال كل أحد يعطى ما يشتهي، فإن قيل الاشتهاء كالجوع وفيه نوع ألم، نقول ليس كذلك، بل الاشتهاء به اللذة والله تعالى لا يتركه في الاشتهاء بدون المشتهي حتى يتألم، بل المشتهي حاصل مع الشهوة والإنسان في الدنيا لا يتألم إلا بأحد أمرين، إما باشتهاء صادق وعجزه عن الوصول إلى المشتهي، وإما بحصول أنواع الأطعمة والأشربة عنده وسقوط شهوته وكلاهما منتف في الآخرة.

اللطيفة الثانية: لما قال: { وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ } ونفي النقصان يصدق بحصول المساوي، فقال ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوي، بطريق آخر وهو الزيادة والإمداد، فإن قيل أكثر الله من ذكر الأكل والشرب، وبعض العارفين يقولون لخاصة الله بالله شغل شاغل عن الأكل والشرب وكل ما سوى الله، نقول هذا على العمل، ولهذا قال تعالى: { { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الواقعة: 24] وقال: { { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 16] وأما على العلم بذلك فذلك، ولهذا قال: { { لَهُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ * سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [يۤس: 57، 58] أي للنفوس ما تتفكه به، للأرواح ما تتمناه من القربة والزلفى.