التفاسير

< >
عرض

وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
-النجم

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

{ وَقَوْمَ نُوحٍ } أي أهلكهم { مِن قَبْلُ } والمسألة مشهورة في قبل وبعد تقطع عن الإضافة فتصير كالغاية فتبنى على الضمة. أما البناء فلتضمنه الإضافة، وأما على الضمة فلأنها لو بنيت على الفتحة لكان قد أثبت فيه ما يستحقه بالإعراب من حيث إنها ظروف زمان فتستحق النصب والفتح مثله، ولو بنيت على الكسر لكان الأمر على ما يقتضيه الإعراب وهو الجر بالجار فبنى على ما يخالف حالتي إعرابها.

وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } أما الظلم فلأنهم هم البادئون به المتقدمون فيه «ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» والبادىء أظلم، وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم، ولا يدعو نبي على قومه إلا بعد الإصرار العظيم، والظالم واضع الشيء في غير موضعه، والطاغي المجاوز الحد فالطاغي أدخل في الظلم فهو كالمغاير والمخالف فإن المخالف مغاير مع وصف آخر زائد، وكذا المغاير والمضاد وكل ضد غير وليس كل غير ضداً، وعليه سؤال وهو أن قوله: { وَقَوْمَ نُوحٍ } المقصود منه تخويف الظالم بالهلاك، فإذا قال: هم كانوا في غاية الظلم والطغيان فأهلكوا يقول الظالم هم كانوا أظلم فأهلكوا لمبالغتهم في الظلم، ونحن ما بالغنا فلا نهلك، وأما لو قال أهلكوا لأنهم ظلمة لخاف كل ظالم فما الفائدة في قوله: { أَظْلَمَ }؟ نقول: المقصود بيان شدتهم وقوة أجسامهم فإنهم لم يقدموا على الظلم والطغيان الشديد إلا بتماديهم وطول أعمارهم، ومع ذلك ما نجا أحد منهم فما حال من هو دونهم من العمر والقوة فهو كقوله تعالى: { { أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } [الزخرف: 8].