التفاسير

< >
عرض

تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ
١٤
-القمر

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وقوله تعالى: { تَجْرِى } أي سفينة ذات ألواح جارية، وقوله تعالى: { بِأَعْيُنِنَا } أي بمرأى منا أو بحفظنا، لأن العين آلة ذلك فتستعمل فيه.

وقوله تعالى: { جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ } يحتمل وجوهاً أحدها: أن يكون نصبه بقوله: { حملناه } أي حملناه جزاء، أي ليكون ذلك الحمل جزاء الصبر على كفرانهم وثانيها: أن يكون بقوله: { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } لأن فيه معنى حفظنا، أي ما تركناه عن أعيننا وعوننا جزاء له ثالثها: أن يكون بفعل حاصل من مجموع ما ذكره كأنه قال: فتحنا أبواب السماء وفجرنا الأرض عيوناً وحملناه، وكل ذلك فعلناه جزاء له، وإنما ذكرنا هذا، لأن الجزاء ما كان يحصل إلا بحفظه وإنجائه لهم، فوجب أن يكون جزاء منصوباً بكونه مفعولاً له بهذه الأفعال، ولنذكر ما فيه من اللطائف في مسائل:

المسألة الأولى: قال في السماء: { { فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء } [القمر: 11] لأن السماء ذات الرجع وما لها فطور، ولم يقل: وشققنا السماء، وقال في الأرض: { { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ } [القمر: 12] لأنها ذات الصدع.

الثانية: لما جعل المطر كالماء الخارج من أبواب مفتوحة واسعة، ولم يقل في الأرض وأجرينا من الأرض بحاراً وأنهاراً، بل قال: { عُيُوناً } والخارج من العين دون الخارج من الباب ذكر في الأرض أنه تعالى فجرها كلها، فقال: { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ } لتقابل كثرة عيون الأرض سعة أبواب السماء فيحصل بالكثرة ههنا ما حصل بالسعة ههنا.

الثالثة: ذكر عند الغضب سبب الإهلاك وهو فتح أبواب السماء وفجر الأرض بالعيون، وأشار إلى الإهلاك بقوله تعالى: { { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 12] أي أمر الإهلاك ولم يصرح وعند الرحمة ذكر الإنجاء صريحاً بقوله تعالى: { وَحَمَلْنَاهُ } وأشار إلى طريق النجاة بقوله: { ذَاتِ أَلْوٰحٍ } وكذلك قال في موضع آخر: { { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ } [العنكبوت: 14]، ولم يقل فأهلكوا، وقال: { فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ } [العنبكوت: 15] فصرح بالإنجاء ولم يصرح بالإهلاك إشارة إلى سعة الرحمة وغاية الكرم أي خلقنا سبب الهلاك ولو رجعوا لما ضرهم ذلك السبب كما قال صلى الله عليه وسلم: { { يٰبُنَىَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا } [هود: 42] وعند الإنجاء أنجاه وجعل للنجاة طريقاً وهو اتخاذ السفينة ولو انكسرت لما ضره بل كان ينجيه فالمقصود عند الإنجاء هو النجاة فذكر المحل والمقصود عند الإهلاك إظهار البأس فذكر السبب صريحاً.

الرابعة: قوله تعالى: { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } أبلغ من حفظنا، يقول القائل اجعل هذا نصب عينك ولا يقول احفظه طلباً للمبالغة.

الخامسة: { بِأَعْيُنِنَا } يحتمل أن يكون المراد بحفظنا، ولهذا يقال: الرؤية لسان العين.

السادسة: قال: كان ذلك جزاء على ما كفروا به لا على إيمانه وشكره فما جوزي به كان جزاء صبره على كفرهم، وأما جزاء شكره لنا فباق، وقرىء: { جَزَاء } بكسر الجيم أي مجازاة كقتال ومقاتلة وقرىء: { لّمَن كَانَ كُفِرَ } بفتح الكاف، وأما: { كُفِرَ } ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون كفر مثل شكر يعدى بالحرف وبغير حرف يقال شكرته وشكرت له، قال تعالى: { { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [البقرة: 152] وقال تعالى: { { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ } [البقرة: 256]. ثانيهما: أن يكون من الكفر لا من الكفران أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه ويحتمل أن يقال: كفر به وترك الظهور المراد.