التفاسير

< >
عرض

سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ
٤٥
-القمر

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وهو أنهم ادعوا القوة العامة بحيث يغلب كل واحد منهم محمداً صلى الله عليه وسلم والله تعالى بين ضعفهم الظاهر الذي يعمهم جميعهم بقوله: { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } وحينئذ يظهر سؤال وهو أنه قال: { يُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } ولم يقل: يولون الأدبار. وقال في موضع آخر: { { يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [آل عمران: 111] وقال: { { وَلَقَدْ كَانُواْ عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَـٰرَ } [الأحزاب: 15] وقال في موضع آخر: { { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } [الأنفال: 15] فكيف تصحيح الإفراد وما الفرق بين المواضع؟ نقول:أما التصحيح فظاهر لأن قول القائل: فعلوا كقوله فعل هذا وفعل ذاك وفعل الآخر. قالوا: وفي الجمع تنوب مناب الواوات التي في العطف، وقوله: { يُوَلُّونَ } بمثابة يول هذا الدبر، ويول ذاك ويول الآخر أي كل واحد يولي دبره، وأما الفرق فنقول اقتضاء أواخر الآيات حسن الإفراد، فقوله: { يُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } إفراده إشارة إلى أنهم في التولية كنفس واحدة، فلا يتخلف أحد عن الجمع ولا يثبت أحد للزحف فهم كانوا في التولية كدبر واحد، وأما في قوله: { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي كل واحد يوجد به ينبغي أن يثبت ولا يولي دبره، فليس المنهي هناك توليتهم بأجمعهم بل المنهي أن يولي واحد منهم دبره، فكل أحد منهي عن تولية دبره، فجعل كل واحد برأسه في الخطاب ثم جمع الفعل بقوله: { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ } ولا يتم إلا بقوله: { ٱلأَدْبَارَ } وكذلك في قوله: { { وَلَقَدْ كَانُواْ عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ } [لأحزاب: 15] أي كل واحد قال: أنا أثبت ولا أولي دبري، وأما في قوله: { { لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَـٰرَ } [الحشر: 12] فإن المراد المنافقون الذين وعدوا اليهود وهم متفرقون بدليل قوله تعالى: { { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } [الحشر: 14]، وأما في هذا الموضع فهم كانوا يداً واحدة على من سواهم.