التفاسير

< >
عرض

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ
٥
-القمر

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيه وجوه الأول: على قول من قال: { وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ ٱلأَنبَاء } المراد منه القرآن، قال: { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ } بدل كأنه قال: ولقد جاءهم حكمة بالغة ثانيها: أن يكون بدلاً عن ما في قوله: { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } الثاني: حكمة بالغة خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه حكمة بالغة والإشارة حينئذ تحتمل وجوهاً أحدها: هذا الترتيب الذي في إرسال الرسول وإيضاح الدليل والإنذار بمن مضى من القرون وانقضى حكمة بالغة ثانيها: إنزال ما فيه الأنباء: { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ } ثالثها: هذه الساعة المقتربة والآية الدالة عليها حكمة الثالث: قرىء بالنصب فيكون حالاً وذو الحال ما في قوله: { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي جاءكم ذلك حكمة، فإن قيل: إن كان { مَا } موصولة تكون معرفة فيحسن كونه ذا الحال فأما إن كانت بمعنى جاءهم من الأنباء شيء فيه ازدجار يكون منكراً وتنكير ذي الحال قبيح نقول: كونه موصوفاً يحسن ذلك.

وقوله: { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } فيه وجهان أحدهما: أن { مَا } نافية، ومعناه أن النذر لم يبعثوا ليغنوا ويلجئوا قومهم إلى الحق، وإنما أرسلوا مبلغين وهو كقوله تعالى: { { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [الشورى: 48] ويؤيد هذا قوله تعالى: { { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } [القمر: 6] أي ليس عليك ولا على الأنبياء الإغناء والإلجاء، فإذا بلغت فقد أتيت بما عليك من الحكمة البالغة التي أمرت بها بقوله تعالى: { { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [النحل: 125] وتول إذا لم تقدر ثانيهما: { مَا } استفهامية، ومعنى الآيات حينئذ أنك أتيت بما عليك من الدعوى وإظهار الآية عليها وكذبوا فأنذرتهم بما جرى على المكذبين فلم يفدهم فهذه حكمة بالغة وما الذي تغني النذر غير هذا فلم يبق عليك شيء آخر.