التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
-الواقعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في إعرابه ثلاثة أوجه أحدها: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } عطف على { { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [الواقعة: 8] وعنده تم الكلام، وقوله: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ... أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } جملة واحدة والثاني: أن قوله: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } جملة واحدة، كما يقول القائل: أنت أنت وكما قال الشاعر:

أنـا أبـو النجـم وشـعري شـعري

وفيه وجهان أحدهما: أن يكون لشهرة أمر المبتدأ بما هو عليه فلا حاجة إلى الخبر عنه وهو مراد الشاعر وهو المشهور عند النحاة والثاني: للإشارة إلى أن في المبتدأ مالا يحيط العلم به ولا يخبر عنه ولا يعرف منه إلا نفس المبتدأ، وهو كمايقول القائل لغيره أخبرني عن حال الملك فيقول: لا أعرف من الملك إلا أنه ملك فقوله: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } أي لا يمكن الإخبار عنهم إلا بنفسهم فإن حالهم وما هم عليه فوق أن يحيط به علم البشر وههنا لطيفة: وهي أنه في أصحاب الميمنة قال: { { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [الواقعة: 8] بالاستفهام وإن كان للإعجاز لكن جعلهم مورد الاستفهام وههنا لم يقل: والسابقون ما السابقون، لأن الاستفهام الذي للإعجاز يورد على مدعي العلم فيقال له: إن كنت تعلم فبين الكلام وأما إذا كان يعترف بالجهل فلا يقال له: كذبت ولا يقال: كيف كذا، وما الجواب عن ذلك، فكذلك في: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } ما جعلهم بحيث يدعون، فيورد عليهم الاستفهام فيبين عجزهم بل بنى الأمر على أنهم معترفون في الابتداء بالعجز، وعلى هذا فقوله تعالى: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } كقول العالم: لمن سأل عن مسألة معضلة وهو يعلم أنه لا يفهمها وإن كان أبانها غاية الإبانة أن الأمر فيها على ما هو عليه ولا يشتغل بالبيان وثالثها: هو أن السابقون ثانياً تأكيد لقوله: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } والوجه الأوسط هو الأعدل الأصح، وعلى الوجه الأوسط قول آخر: وهو أن المراد منه أن السابقين إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى.

المسألة الثانية: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } يقتضي الحصر فينبغي أن لا يكون غيرهم مقرباً، وقد قال في حق الملائكة إنهم مقربون، نقول: { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } من الأزواج الثلاثة، فإن قيل: { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } ليسوا من المقربين، نقول: للتقريب درجات { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } في غاية القرب، ولا حد هناك، ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن يقال: المراد السابقون مقربون من الجنات حال كون أصحاب اليمين متوجهين إلى طريق الجنة لأنه بمقدار ما يحاسب المؤمن حساباً يسيراً ويؤتى كتابه بيمينه يكون السابقون قد قربوا من المنزل أو قربهم إلى الله في الجنة وأصحاب اليمين بعد متوجهون إلى ما وصل إليه المقربون، ثم إن السير والارتفاع لا ينقطع فإن السير في الله لا انقطاع له، والارتفاع لا نهاية له، فكلما تقرب أصحاب اليمين من درجة السابق، يكون قد انتقل هو إلى موضع أعلى منه، فأولئك هم المقربون في جنات النعيم، في أعلى عليين حال وصول أصحاب اليمين إلى الحور العين.

المسألة الثالثة: بعد بيان أقسام الأزواج لم يعد إلى بيان حالهم على ترتيب ذكرهم، بل بين حال السابقين مع أنه أخرهم، وأخر ذكر أصحاب الشمال مع أنه قدمهم أولاً في الذكر على السابقين، نقول: قد بينا أن عند ذكر الواقعة قدم من ينفعه ذكر الأهوال، وأخر من لا يختلف حاله بالخوف والرجاء، وأما عند البيان فذكر السابق لفضيلته وفضيلة حاله.