التفاسير

< >
عرض

وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
-الواقعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيها قراءات الأولى: الرفع وهو المشهور، ويكون عطفاً على ولدان، فإن قيل قال قبله: { { حُورٌ مَّقْصُورٰتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [الرحمٰن: 72] إشارة إلى كونها مخدرة ومستورة، فكيف يصح قولك: إنه عطف على ولدان؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: وهو المشهور أن نقول: هو عطف عليهم في اللفظ لا في المعنى، أو في المعنى على التقدير والمفهوم لأن قوله تعالى: { { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰنٌ } [الواقعة: 17] معناه لهم ولدان كما قال تعالى: { { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } [الطور: 24] فيكون: { وَحُورٌ عِينٌ } بمعنى ولهم حور عين وثانيهما: وهو أن يقال: ليست الحور منحصرات في جنس، بل لأهل الجنة: { حُورٌ مَّقْصُورٰتٌ } في حظائر معظمات ولهن جواري وخوادم، وحور تطوف مع الولدان السقاة فيكون كأنه قال: يطوف عليهم ولدان ونساء الثانية: الجر عطفاً على أكواب وأباريق، فإن قيل: كيف يطاف بهن عليهم؟ نقول: الجواب سبق عند قوله: { { وَلَحْمِ طَيْرٍ } [الواقعة: 21] أو عطفاً على: { { جَنَّـٰتِ } [الواقعة: 12] أي: أولئك المقربون في جنات النعيم وحور وقرىء { حوراً عَيْناً } بالنصب، ولعل الحاصل على هذه القراءة على غير العطف بمعنى العطف لكن هذا القارىء لا بد له من تقدير ناصب فيقول: يؤتون حوراً فيقال: قد رافعاً فقال: ولهم حور عين فلا يلزم الخروج عن موافقة العاطف وقوله تعالى: { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } فيه مباحث.

الأول: الكاف للتشبيه، والمثل حقيقة فيه، فلو قال: أمثال اللؤلؤ المكنون لم يكن إلى الكاف حاجة، فما وجه الجمع بين كلمتي التشبيه؟ نقول: الجواب المشهور أن كلمتي التشبيه يفيدان التأكيد والزيادة في التشبيه، فإن قيل: ليس كذلك بل لا يفيدان ما يفيد أحدهما لأنك إن قلت مثلاً: هو كاللؤلؤة للمشبه، دون المشبه به في الأمر الذي لأجله التشبيه؟ نقول: التحقيق فيه، هو أن الشيء إذا كان له مثل فهو مثله، فإذا قلت هو مثل القمر لا يكون في المبالغة مثل قولك هو قمر وكذلك قولنا: هو كالأسد، وهو أسد، فإذا قلت: كمثل اللؤلؤ كأنك قلت: مثل اللؤلؤ وقولك: هو اللؤلؤ أبلغ من قولك: هو كاللؤلؤ، وهذا البحث يفيدنا ههنا، ولا يفيدنا في قوله تعالى: { { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } [الشورى: 11] لأن النفي في مقابلة الإثبات، ولا يفهم معنى النفي من الكلام مالم يفهم معنى الإثبات الذي يقابله، فنقول قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } في مقابلة قول من يقول: كمثله شيء، فنفى ما أثبته لكن معنى قوله: { كَمِثْلِهِ شَيْء } إذا لم نقل بزيادة الكاف هو أن مثل مثله شيء، وهذا كلام يدل على أن له مثلاً، ثم إن لمثله مثلاً، فإذا قلنا: ليس كذلك كان رداً عليه، والرد عليه صحيح بقي أن يقال: إن الراد على من يثبت أموراً لا يكون نافياً لكل ما أثبته، فإذا قال قائل: زيد عالم جيد، ثم قيل رداً عليه: ليس زيد عالماً جيداً لا يلزم من هذا أن يكون نافياً لكونه عالماً، فمن يقول: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } بمعنى ليس مثل مثله شيء لا يلزم أن يكون نافياً لمثله، بل يحتمل أن يكون نافياً لمثل المثل، فلا يكون الراد أيضاً موحداً فيخرج الكلام عن إفادة التوحيد، فنقول: يكون مفيداً للتوحيد لأنا إذا قلنا: ليس مثل مثله شيء لزم أن لا يكون له مثل لأنه لو كان له مثل لكان هو مثل مثله، وهو شيء بدليل قوله تعالى: { { قُلْ أَىُّ شَيْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 19] فإن حقيقة الشيء هو الموجود فيكون مثل مثله شيء وهو منفي بقولنا: ليس مثل مثله شيء، فعلم أن الكلام لا يخرج عن إفادة التوحيد، فعلم أن الحمل على الحقيقة يفيد في الكلام مبالغة في قوله تعالى: { كَأَمْثَـٰلِ } وأما عدم الحمل عليها في قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } فهو أوجز فتجعل الكاف زائدة لئلا يلزم التعطيل، وهو نفي الإله، نقول: فيه فائدة، وهو أن يكون ذلك نفياً مع الإشارة إلى وجه الدليل على النفي، وذلك لأنه تعالى واجب الوجود، وقد وافقنا من قال بالشريك، ولا يخالفنا إلا المعطل، وذلك إثباته ظاهراً، وإذا كان هو واجب الوجود فلو كان له مثل لخرج عن كونه واجب الوجود، لأنه مع مثله تعادلاً في الحقيقة، وإلا لما كان ذلك مثله وقد تعدد فلا بد من انضمام مميز إليه به يتميز عن مثله، فلو كان مركباً فلا يكون واجباً لأن كل مركب ممكن، فلو كان له مثل لما كان هو هو فيلزم من إثبات المثل له نفيه، فقوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } إذا حملناه أنه ليس مثل مثله شيء، ويكون في مقابلته قول الكافر: مثل مثله شيء فيكون مثبتاً لكونه مثل مثله ويكون مثله يخرج عن حقيقة نفسه ومنه لا يبقى واجب الوجود فذكر المثلين لفظاً يفيد التوحيد مع الإشارة إلى وجه الدليل على بطلان قول المشرك ولو قلنا: ليس مثله شيء يكون نفياً من غير إشارة إلى دليل، والتحقيق فيه أنا نقول: في نفي المثل رداً على المشرك لا مثل لله، ثم نستدل عليه ونقول: لو كان له مثل لكان هو مثلاً لذلك المثل فيكون ممكناً محتاجاً فلا يكون إلهاً ولو كان له مثل لما كان الله إلهاً واجب الوجود، لأن عند فرض مثل له يشاركه بشيء وينافيه بشيء، فيلزم تركه فلو كان له مثل لخرج عن حقيقة كونه إلهاً فإثبات الشريك يفضي إلى نفي الإله فقوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } توحيد بالدليل وليس مثله شيء توحيد من غير دليل وشيء من هذا رأيته في كلام الإمام فخر الدين الرازيرحمه الله بعدما فرغت من كتابة هذا مما وافق خاطري خاطره على أني معترف بأني أصبت منه فوائد لا أحصيها، وأما قوله تعالى: { ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } إشارة إلى غاية صفائهن أي اللؤلؤ الذي لم يغير لونه الشمس والهواء.