التفاسير

< >
عرض

لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ
٤٤
-الواقعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

قال الزمخشري: كرم الظل نفعه الملهوف، ودفعه أذى الحر عنه، ولو كان كذلك لكان البارد والكريم بمعنى واحد، والأقرب أن يقال: فائدة الظل أمران: أحدهما دفع الحر، والآخر كون الإنسان فيه مكرماً، وذلك لأن الإنسان في البرد يقصد عين الشمس ليتدفأ بحرها إذا كان قليل الثياب، فإذا كان من المكرمين يكون أبداً في مكان يدفع الحر والبرد عن نفسه في الظل، أما الحر فظاهر، وأما البرد فيدفعه بإدفاء الموضع بإيقاد ما يدفئه، فيكون الظل في الحر مطلوباً للبرد فيطلب كونه بارداً، وفي البرد يطلب لكونه ذا كرامة لا لبرد يكون في الظل فقال: { لاَّ بَارِدٍ } يطلب لبرده، ولا ذي كرامة قد أعد للجلوس فيه، وذلك لأن المواضع التي يقع عليها ظل كالمواضع التي تحت أشجار وأمام الجدار يتخذ منها مقاعد فتصير تلك المقاعد محفوظة عن القاذورات، وباقي المواضع تصير مزابل، ثم إذا وقعت الشمس في بعض الأوقات عليها تطلب لنظافتها، وكونها معدة للجلوس، فتكون مطلوبة في مثل هذا الوقت لأجل كرامتها لا لبردها، فقوله تعالى: { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } يحتمل هذا، ويحتمل أن يقال: إن الظل يطلب لأمر يرجع إلى الحس، أو لأمر يرجع إلى العقل، فالذي يرجع إلى الحس هو برده، والذي يرجع إلى العقل أن يكون الرجوع إليه كرامة، وهذا لا برد له ولا كرامة فيه، وهذا هو المراد بما نقله الواحدي عن الفراء أن العرب تتبع كل منفي بكريم إذا كان المنفي أكرم فيقال: هذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة، والتحقيق فيه ما ذكرنا أن وصف الكمال، إما حسي، وإما عقلي، والحسي يصرح بلفظه، وأما العقلي فلخفائه عن الحس يشار إليه بلفظ جامع، لأن الكرامة، والكرامة عند العرب من أشهر أوصاف المدح ونفيهما نفي وصف الكمال العقلي، فيصير قوله تعالى: { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } معناه لا مدح فيه أصلاً لا حساً ولا عقلاً.