التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ
٦٣
ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ
٦٤
-الواقعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ذكر بعد دليل الخلق دليل الرزق فقوله: { أَفَرَأيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } إشارة إلى دليل الخلق وبه الابتداء، وقوله: { أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } إشارة إلى دليل الرزق وبه البقاء، وذكر أموراً ثلاثة المأكول، والمشروب، وما به إصلاح المأكول، ورتبه ترتيباً فذكر المأكول أولاً لأنه هو الغذاء، ثم المشروب لأن به الاستمراء، ثم النار للتي بها الإصلاح وذكر من كل نوع ما هو الأصل، فذكر من المأكول الحب فإنه هو الأصل، ومن المشروب الماء لأنه هو الأصل، وذكر من المصلحات النار لأن بها إصلاح أكثر الأغذية وأعمها، ودخل في كل واحد منها ما هو دونه، هذا هو الترتيب، وأما التفسير فنقول: الفرق بين الحرث والزرع هو أن الحرث أوائل الزرع ومقدماته من كراب الأرض، وإلقاء البذر، وسقي المبذور، والزرع هو آخر الحرث من خروج النبات واستغلاظه واستوائه على الساق، فقوله: { أَفَرَأيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } أي ما تبتدئون منه من الأعمال أأنتم تبلغونها المقصود أم الله؟ ولا يشك أحد في أن إيجاد الحب في السنبلة ليس بفعل الناس، وليس بفعلهم إن كان سوى إلقاء البذر والسقي، فإن قيل: هذا يدل على أن الله هو الزارع، فكيف قال تعالى: { { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } [الفتح: 29] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الزرع للزارع" قلنا قد ثبت من التفسير أن الحرث متصل بالزرع، فالحرث أوائل الزرع، والزرع أواخر الحرث، فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر، لكن قوله: { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } بدلاً عن قوله: يعجب الحراث، يدل على أن الحارث إذا كان هو المبتدي، فربما يتعجب بما يترتب على فعله من خروج النبات والزارع لما كان هو المنتهي، ولا يعجبه إلا شيء عظيم، فقال: { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } الذين تعودوا أخذ الحراث، فما ظنك بإعجابه الحراث، وقوله صلى الله عليه وسلم: "الزرع للزارع" فيه فائدة، لأنه لو قال: للحارث فمن ابتدأ بعمل الزرع وأتى بكراب الأرض وتسويتها يصير حارثاً، وذلك قبل إلقاء البذرة لزرع لمن أتى بالأمر المتأخر وهو إلقاء البذر، أي من له البذر على مذهب أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه وهذا أظهر، لأنه بمجرد الإلقاء في الأرض يجعل الزرع للملقى سواء كان مالكاً أو غاصباً.