التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
٩٥
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٩٦
-الواقعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: { هَـٰذَا } إشارة إلى ماذا؟ نقول: فيه وجوه أحدها: القرآن ثانيها: ما ذكره في السورة ثالثها: جزاء الأزواج الثلاثة.

المسألة الثانية: كيف أضاف الحق إلى اليقين مع أنهما بمعنى واحد؟ نقول: فيه وجوه أحدها: هذه الإضافة، كما أضاف الجانب إلى الغربي في قوله: { { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِىّ } [القصص: 44] وأضاف الدار إلى الآخرة في قوله: { { وَلَدَارُ ٱلأَخِرَةِ } [الأنعام: 32] غير أن المقدر هنا غير ظاهر، فإن شرط ذلك أن يكون بحيث يوصف باليقين، ويضاف إليه الحق، وما يوصف باليقين بعد إضافة الحق إليه وثانيها: أنه من الإضافة التي بمعنى من، كما يقال: باب من ساج، وباب ساج، وخاتم من فضة، وخاتم فضة، فكأنه قال: لهو الحق من اليقين ثالثها: وهو أقرب منها ما ذكره ابن عطية أن ذلك نوع تأكيد يقال: هذا من حق الحق، وصواب الصواب، أي غايته ونهايته التي لا وصول فوقه، والذي وقع في تقرير هذا أن الإنسان أظهر ما عنده الأنوار المدركة بالحس، وتلك الأنوار أكثرها مشوبة بغيرها، فإذا وصل الطالب إلى أوله يقول: وجدت أمر كذا، ثم إنه مع صحة إطلاق اللفظ عليه لا يتميز عن غيره، فيتوسط الطالب ويأخذ مطلوبه من وسطه، مثاله من يطلب الماء، ثم يصل إلى بركة عظيمة، فإذا أخذ من طرفه شيئاً يقول: هو ماء، وربما يقول قائل آخر: هذا ليس بماء، وإنما هو طين، وأما الماء ما أخذته من وسط البركة، فالذي في طرف البركة ماء بالنسبة إلى أجسام أخرى، ثم إذا نسب إلى الماء الصافي ربما يقال له شيء آخر، فإذا قال: هذا هو الماء حقاً قد أكد، وله أن يقول: حق الماء، أي الماء حقاً هذا بحيث لا يقول أحد فيه شيء، فكذلك ههنا كأنه قال: هذا هو اليقين حقاً لا اليقين الذي يقول بعض إنه ليس بيقين، ويحتمل وجهاً آخر، وهو أن يقال: الإضافة على حقيقتها، ومعناه أن هذا القول لك يا محمد وللمؤمنين، وحق اليقين أن تقول كذا، ويقرب من هذا ما يقال: حق الكمال أن يصلي المؤمن، وهذا كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" أن الضمير راجع إلى الكلمة أي إلا بحق الكلمة، ومن حق الكلمة أداء الزكاة والصلاة، فكذلك حق اليقين أن يعرف ما قاله الله تعالى في الواقعة في حق الأزواج الثلاثة، وعلى هذا معناه: أن اليقين لا يحق ولا يكون إلا إذا صدق فيما قاله بحق، فالتصديق حق اليقين الذي يستحقه، وأما قوله: { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } فقد تقدم تفسيره، وقلنا إنه تعالى لما بين الحق وامتنع الكفار، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم هذا هو حق، فإن امتنعوا فلا تتركهم ولا تعرض عنهم وسبح ربك في نفسك، وما عليك من قومك سواء صدقوك أو كذبوك، ويحتمل أن يكون المراد فسبح واذكر ربك باسمه الأعظم، وهذا متصل بما بعده لأنه قال في السورة التي تلي هذه: { { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } [الحديد: 1] فكأنه قال: سبح الله ما في السموات، فعليك أن توافقهم ولا تلتفت إلى الشرذمة القليلة الضالة، فإن كل شيء معك يسبح الله عز وجل.

تم تفسير السورة، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.