التفاسير

< >
عرض

يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
-الصف

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن قوله تعالى: { غَفَرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } جواب قوله: { { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الصف: 11] لما أنه في معنى الأمر، كما مر فكأنه قال: آمنوا بالله وجاهدوا في سبيل الله يغفر لكم، وقيل جوابه: { { ذَٰلِكم خَيْرٌ لَّكُمْ } [الصف: 11] وجزم: { يَغْفِرْ لَكُمْ } لما أنه ترجمة: { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } ومحله جزم، كقوله تعالى: { { لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن } [المنافقون: 10] لأن محل { فَأَصَّدَّقَ } جزم على قوله: { لَوْلا أَخَّرْتَنِي } وقيل: جزم { يَغْفِرْ لَكُمْ } بهل، لأنه في معنى الأمر، وقوله تعالى: { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } إلى آخر الآية، من جملة ما قدم بيانه في التوراة، ولا يبعد أن يقال: إن الله تعالى رغبهم في هذه الآية إلى مفارقة مساكنهم وإنفاق أموالهم والجهاد، وهو قوله: { يَغْفِرْ لَكُمْ } وقوله تعالى: { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعني ذلك الجزاء الدائم هو الفوز العظيم، وقد مر، وقوله تعالى: { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } أي تجارة أخرى في العاجل مع ثواب الآجل، قال الفراء: وخصلة أخرى تحبونها في الدنيا مع ثواب الآخرة، وقوله تعالى: { نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ } هو مفسر للأخرى، لأنه يحسن أن يكون: { نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ } مفسراً للتجارة إذ النصر لا يكون تجارة لنا بل هو ريح للتجارة، وقوله تعالى: { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي عاجل وهو فتح مكة، وقال الحسن: هو فتح فارس والروم، وفي { تُحِبُّونَهَا } شيء من التوبيخ على محبة العاجل، ثم في الآية مباحث:

الأول: قوله تعالى: { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } عطف على { { تؤمنون } [الصف: 11] لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. ويقال أيضاً: بم نصب من قرأ: { نَصْراً مِنَ ٱللَّهِ وفتحاً قَرِيبًا }، فيقال: على الاختصاص، أو على تنصرون نصراً، ويفتح لكم فتحاً، أو على يغفر لكم، ويدخلكم ويؤتكم خيراً، ويرى نصراً وفتحاً، هكذا ذكر في الكشاف.