التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
-الجمعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وجه تعلق هذه السورة بما قبلها هو أنه تعالى قال في أول تلك السورة: { { سَبَّحَ للَّهِ } [الصف: 1] بلفظ الماضي وذلك لا يدل على التسبيح في المستقبل، فقال في أول هذه السورة بلفظ المستقبل ليدل على التسبيح في زماني الحاضر والمستقبل، وأما تعلق الأول بالآخر، فلأنه تعالى ذكر في آخر تلك السورة أنه كان يؤيد أهل الإيمان حتى صاروا عالين على الكفار،وذلك على وفق الحكمة لا للحاجة إليه إذ هو غني على الإطلاق، ومنزه عما يخطر ببال الجهلة في الآفاق، وفي أول هذه السورة ما يدل على كونه مقدساً ومنزهاً عما لا يليق بحضرته العالية بالاتفاق، ثم إذا كان خلق السموات والأرض بأجمعهم في تسبيح حضرة الله تعال فله الملك، كما قال تعالى: { { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ } [التغابن: 1] ولا ملك أعظم من هذا، وهو أنه خالقهم ومالكهم وكلهم في قبضة قدرته وتحت تصرفه، يسبحون له آناء الليل وأطراف النهار بل في سائر الأزمان، كما مر في أول تلك السورة، ولما كان الملك كله له فهو الملك على الإطلاق، ولما كان الكل بخلقه فهو المالك، والمالك والملك أشرف من المملوك، فيكون متصفاً بصفات يحصل منها الشرف، فلا مجال لما ينافيه من الصفات فيكون قدوساً، فلفظ { ٱلْمَلِكِ } إشارة إلى إثبات ما يكون من الصفات العالية، ولفظ { ٱلْقُدُّوسِ } هو إشارة إلى نفي مالا يكون منها، وعن الغزالي { ٱلْقُدُّوسِ } المنزه عما يخطر ببال أوليائه، وقد مر تفسيره وكذلك { ٱلعَزِيزِ ٱلحَكِيمِ } ثم الصفات المذكورة قرئت بالرفع على المدح، أي هو الملك القدوس، ولو قرئت بالنصب لكان وجهاً، كقول العرب: الحمد لله أهل الحمد، كذا ذكره في «الكشاف»، ثم في الآية مباحث:

الأول: قال تعالى: { يُسَبّحُ لِلَّهِ } ولم يقل: يسبح الله، فما الفائدة؟ نقول: هذا من جملة ما يجري فيه اللفظان: كشكره وشكر له، ونصحه ونصح له.

الثاني: { ٱلْقُدُّوسِ } من الصفات السلبية، وقيل: معناه المبارك.

الثالث: لفظ { ٱلْحَكِيمِ } يطلق على الغير أيضاً، كما قيل في لقمان: إنه حكيم، نقول: الحكيم عند أهل التحقيق هو الذي يضع الأشياء (في) مواضعها، والله تعالى حكيم بهذا المعنى.

ثم إنه تعالى بعدما فرغ من التوحيد والتنزيه شرع في النبوة فقال: