التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢
-الجمعة

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

الأمي منسوب إلى أمة العرب، لما أنهم أمة أميون لا كتاب لهم، ولا يقرأون كتاباً ولا يكتبون. وقال ابن عباس: يريد الذين ليس لهم كتاب ولا نبي بعث فيهم، وقيل: الأميون الذين هم على ما خلقوا عليه وقد مر بيانه، وقرىء الأمين بحذف ياء النسب، كما قال تعالى: { { رَسُولاً مّنْهُمْ } [المؤمنون: 32] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم نسبه من نسبهم، وهو من جنسهم، كما قال تعالى: { { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] قال أهل المعاني: وكان هو صلى الله عليه وسلم أيضاً أمياً مثل الأمة التي بعث فيهم، وكانت البشارة به في الكتب قد تقدمت بأنه النبي الأمي، وكونه بهذه الصفة أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة، فكانت حاله مشاكلة لحال الأمة الذين بعث فيهم، وذلك أقرب إلى صدقة.

وقوله تعالى: { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِ } أي بيناته التي تبين رسالته وتظهر نبوته، ولا يبعد أن تكون الآيات هي الآيات التي تظهر منها الأحكام الشرعية، والتي يتميز بها الحق من الباطل { وَيُزَكِّيهِمْ } أي يطهرهم من خبث الشرك، وخبث ما عداه من الأقوال والأفعال، وعند البعض { يُزَكِّيهِمْ } أي يصلحهم، يعني يدعوهم إلى اتباع ما يصيرون به أزكياء أتقياء { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } والكتاب: ما يتلى من الآيات، والحكمة: هي الفرائض، وقيل: { ٱلْحِكْمَةَ } السنة، لأنه كان يتلو عليهم آياته ويعلمهم سننه، وقيل: { ٱلْكِتَـٰبَ } الآيات نصاً، والحكمة ما أودع فيها من المعاني، ولا يبعد أن يقال: الكتاب آيات القرآن والحكمة وجه التمسك بها، وقوله تعالى: { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } ظاهر لأنهم كانوا عبدة الأصنام وكانوا في ضلال مبين وهو الشرك، فدعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد والإعراض عما كانوا فيه، وفي هذه الآية مباحث:

أحدها: احتجاج أهل الكتاب بها قالوا قوله: { بَعَثَ فِي ٱلأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ } يدل على أنه عليه السلام كان رسولاً إلى الأميين وهم العرب خاصة، غير أنه ضعيف فإنه لا يلزم من تخصيص الشيء بالذكر نفي ما عداه، ألا ترى إلى قوله تعالى: { { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [العنكبوت: 48] أنه لا يفهم منه أنه يخطه بشماله، ولأنه لو كان رسولاً إلى العرب خاصة كان قوله تعالى: { { كَافَّةً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } [سبإ: 28] لا يناسب ذلك، ولا مجال لهذا لما اتفقوا على ذلك، وهو صدق الرسالة المخصوصة، فيكون قوله تعالى: { كَافَّة ٱلنَّاسِ } دليلاً على أنه عليه الصلاة والسلام كان رسولاً إلى الكل.