التفاسير

< >
عرض

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٣
-التغابن

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

قوله تعالى: { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي بأمر الله قاله الحسن، وقيل: بتقدير الله وقضائه، وقيل: بإرادة الله تعالى ومشيئته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بعلمه وقضائه وقوله تعالى: { يَهْدِ قَلْبَهُ } أي عند المصيبة أو عند الموت أو المرض أو الفقر أو القحط، ونحو ذلك فيعلم أنها من الله تعالى فيسلم لقضاء الله تعالى ويسترجع، فذلك قوله: { يَهْدِ قَلْبَهُ } أي للتسليم لأمر الله، ونظيره قوله: { { ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ } إلى قوله: { { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 156، 157]، قال أهل المعاني: يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما يهد قلبه إلى ما يحب ويرضى وقرىء { نهدِ قَلْبَهُ } بالنون وعن عكرمة { يُهْدَ قَلْبَهُ } بفتح الدال وضم الياء، وقرىء { يهدأ } قال الزجاج: هدأ قلبه يهدأ إذا سكن، والقلب بالرفع والنصب ووجه النصب أن يكون مثل { { مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [البقرة: 130] { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يحتمل أن يكون إشارة إلى اطمئنان القلب عند المصيبة، وقيل: عليم بتصديق من صدق رسوله فمن صدقه فقد هدى قلبه: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } فيما جاء به من عند الله يعني هونوا المصائب والنوازل واتبعوا الأوامر الصادرة من الله تعالى، ومن الرسول فيما دعاكم إليه.

وقوله: { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } الظاهر والبيان البائن، وقوله: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يحتمل أن يكون هذا من جملة ما تقدم من الأوصاف الحميدة لحضرة الله تعالى من قوله: { { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التغابن: 1] فإن من كان موصوفاً بهذه الصفات ونحوها: فهو الذي { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود إلا هو ولا مقصود إلا هو عليه التوكل في كل باب، وإليه المرجع والمآب، وقوله: { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } بيان أن المؤمن لا يعتمد إلا عليه، ولا يتقوى إلا به لما أنه يعتقد أن القادر بالحقيقة ليس إلا هو، وقال في «الكشاف»: هذا بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه، فإن قيل: كيف يتعلق { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بما قبله ويتصل به؟ نقول: يتعلق بقوله تعالى: { { فآمنوا بالله ورسوله } [التغابن: 8] لما أن من يؤمن بالله فيصدقه يعلم ألا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله.