التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٥
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
٦
زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٧
-التغابن

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن قوله: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } خطاب لكفار مكة وذلك إشارة إلى الويل الذي ذاقوه في الدنيا وإلى ما أعد لهم من العذاب في الآخرة. فقوله: { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي شدة أمرهم مثل قوله: { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } وقوله: { ذٰلِكَ بِأَنَّهُ } أي بأن الشأن والحديث أنكروا أن يكون الرسول بشراً. ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجراً فكفروا وتولوا، وكفروا بالرسل وأعرضوا واستغنى الله عن طاعتهم وعبادتهم من الأزل، وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } من جملة ما سبق، والحميد بمعنى المحمود أي المستحق للحمد بذاته ويكون بمعنى الحامد، وقوله تعالى: { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال في «الكشاف»: الزعيم ادعاء العلم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "زعموا مطية الكذب" وعن شريح لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا، ويتعدى إلى مفعولين، تعدى، العلم، قال الشاعر:

ولم أزعمك عن ذلك معزولا

والذين كفروا هم أهل مكة { بَلَىٰ } إثبات لما بعد أن وهو البعث وقيل: قوله تعالى: { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي } يحتمل أن يكون تعليماً للرسول صلى الله عليه وسلم، أي يعلمه القسم تأكيداً لما كان يخبر عن البعث وكذلك جميع القسم في القرآن وقوله تعالى: { وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي لا يصرفه صارف، وقيل: إن أمر البعث على الله يسير، لأنهم أنكروا البعث بعد أن صاروا تراباً، فأخبر أن إعادتهم أهون في العقول من إنشائهم، وفي الآية مباحث.

الأول: قوله: { فَكَفَرُواْ } يتضمن قوله: { وَتَوَلَّواْ } فما الحاجة إلى ذكره؟ نقول: إنهم كفروا وقالوا: { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } وهذا في معنى الإنكار والإعراض بالكلية، وذلك هو التولي، فكأنهم كفروا وقالوا قولاً يدل على التولي، ولهذا قال: { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ }.

الثاني: قوله: { وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } يوهم وجود التولي والاستغناء معاً، والله تعالى لم يزل غنياً، قال في «الكشاف»: معناه أنه ظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان، ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك.

الثالث: كيف يفيد القسم في إخباره عن البعث وهم قد أنكروا رسالته. نقول: إنهم وإن أنكروا الرسالة لكنهم يعتقدون أنه يعتقد ربه اعتقاداً لا مزيد عليه فيعلمون أنه لا يقدم على القسم بربه إلا وأن يكون صدق هذا الإخبار أظهر من الشمس عنده وفي اعتقاده، والفائدة في الإخبار مع القسم ليس إلا هذا، ثم إنه أكد الخبر باللام والنون فكأنه قسم بعد قسم.

ولما بالغ في الإخبار عن البعث والاعتراف بالبعث من لوازم الإيمان قال: