التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٧
-التحريم

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

{ قُواْ أَنفُسَكُمْ } أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه، وقال مقاتل: أن يؤدب المسلم نفسه وأهله، فيأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر، وقال في «الكشاف»: { قُواْ أَنفُسَكُمْ } بترك المعاصي وفعل الطاعات، { وَأَهْلِيكُمْ } بأن تؤاخذوهم بما تؤاخذون به أنفسكم، وقيل: { قُواْ أَنفُسَكُمْ } مما تدعو إليه أنفسكم إذ الأنفس تأمرهم بالشر وقرىء: { وأهلوكم } عطفاً على واو { قُواْ } وحسن العطف للفاصل، و { نَارًا } نوعاً من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة، وعن ابن عباس هي حجارة الكبريت، لأنها أشد الأشياء حراً إذا أوقد عليها، وقرىء: { وَقُودُهَا } بالضم، وقوله: { عَلَيْهَا مَلَـٰئِكَةٌ } يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم { غِلاَظٌ شِدَادٌ } في أجرامهم غلظة وشدة أي جفاء وقوة، أو في أفعالهم جفاء وخشونة، ولا يبعد أن يكونوا بهذه الصفات في خلقهم، أو في أفعالهم بأن يكونوا أشداء على أعداء الله، رحماء على أولياء الله كما قال تعالى: { { أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29] وقوله تعالى: { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } يدل على اشتدادهم لمكان الأمر، لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله تعالى والانتقام من أعدائه، وفيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به وبما ينهاهم عنه والعصيان منهم مخالفة للأمر والنهي.

وقوله تعالى: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } لما ذكر شدة العذاب بالنار، واشتداد الملائكة في انتقام الأعداء، فقال: { لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } أي يقال لهم: لا تعتذروا اليوم إذ الاعتذار هو التوبة، والتوبة غير مقبولة بعد الدخول في النار، فلا ينفعكم الاعتذار، وقوله تعالى: { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني إنما أعمالكم السيئة ألزمتكم العذاب في الحكمة، وفي الآية مباحث:

البحث الأول: أنه تعالى خاطب المشركين في قوله: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } وقال: { { أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } [البقرة: 24] جعلها معدة للكافرين، فما معنى مخاطبته به المؤمنين؟ نقول: الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار، فإنهم مع الكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا: { قُواْ أَنفُسَكُمْ } باجتناب الفسق مجاورة الذين أعدت لهم هذه النار، ولا يبعد أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد.

البحث الثاني: كيف تكون الملائكة غلاظاً شداداً وهم من الأرواح، فنقول: الغلظة والشدة بحسب الصفات لما كانوا من الأرواح لا بحسب الذات، وهذا أقرب بالنسبة إلى الغير من الأقوال.

البحث الثالث: قوله تعالى: { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } في معنى قوله: { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } فما الفائدة في الذكر فنقول: ليس هذا في معنى ذلك لأن معنى الأول أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا ينكرونها، ومعنى الثاني أنهم (يؤدون) ما يؤمرون به كذا ذكره في «الكشاف».