التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ
١٣
-الأعراف

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وأما قوله: { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا } فلا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى، ومثل هذه المناظرة بين الله سبحانه وبين إبليس مذكور في سورة { ص } على سبيل الاستقصاء.

إذا ثبت هذا فنقول: إنه لم يتفق لأحد من أكابر الأنبياء عليهم السلام مكالمة مع الله مثل ما اتفق لإبليس، وقد عظم الله تشريف موسى بأن كلمه حيث قال: { { وَلَمَّا جَاء مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [الأعراف: 143] وقال: { { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [النساء: 164] فإن كانت هذه المكالمة تفيد الشرف العظيم فكيف حصلت على أعظم الوجوه لإبليس؟ وإن لم توجب الشرف العظيم، فكيف ذكره الله تعالى في معرض التشريف الكامل لموسى عليه السلام؟

والجواب: أن بعض العلماء قال: إنه تعالى قال لإبليس على لسان من يؤدي إليه من الملائكة ما منعك من السجود؟ ولم يسلم أنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة. قالوا: لأنه ثبت أن غير الأنبياء لا يخاطبهم الله تعالى إلا بواسطة، ومنهم من قال: إنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة، ولكن على وجه الإهانة بدليل أنه تعالى قال له: { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } وتكلم مع موسى ومع سائر الأنبياء عليهم السلام على سبيل الإكرام ألا ترى أنه تعالى قال لموسى: { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } [طه: 13] وقال له { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى } [طه: 41] وهذا نهاية الإكرام.

المسألة الثامنة: قوله تعالى: { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } قال ابن عباس: يريد من الجنة، وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم. وقال بعض المعتزلة: إنه إنما أمر بالهبوط من السماء، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في سورة البقرة. { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } أي في السماء. قال ابن عباس: يريد أن أهل السموات ملائكة متواضعون خاشعون فاخرج إنك من الصاغرين، والصغار الذلة. قال الزجاج: إن إبليس طلب التكبر فابتلاه الله تعالى بالذلة والصغار تنبيهاً على صحة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله" وقال بعضهم: لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار، والله أعلم.