التفاسير

< >
عرض

رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً
٢٨
-نوح

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

واعلم أنه عليه السلام لما دعا على الكفار قال بعده: { رَبّ ٱغْفِرْ لِى } أي فيما صدر عني من ترك الأفضل، ويحتمل أنه حين دعا على الكفار إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم، فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام فاستغفر عن ذلك لما فيه من طلب حظ النفس.

ثم قال: { وَلِوَالِدَىَّ } أبوه لمك بن متوشلخ وأمه شمخاء بنت أنوش وكانا مؤمنين، وقال عطاء: لم يكن بين نوح وآدم عليهما السلام من آبائه كافر، وكان بينه وبين آدم عشرة آباء. وقرأ الحسن بن علي (ولولدي) يريد ساما وحاما.

ثم قال تعالى: { وَلَمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً } قيل: مسجدي، وقيل: سفينتي، وقيل: لمن دخل في ديني، فإن قيل: فعلى هذا التفسير يصير قوله: { مُؤْمِناً } مكرراً، قلنا: إن من دخل في دينه ظاهراً قد يكون مؤمناً بقلبه وقد لا يكون، والمعنى ولمن دخل في ديني دخولاً مع تصديق القلب.

ثم قال تعالى: { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } إنما خص نفسه أولاً بالدعاء ثم المتصلين به لأنهم أولى وأحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات.

ثم ختم الكلام مرة أخرى بالدعاء على الكافرين فقال: { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً } أي هلاكاً ودماراً وكل شيء أهلك فقد تبر ومنه قوله: { { إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } [الأعراف:139] وقوله: { { وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا } [الإسراء: 7] فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم بالكلية، فإن قيل: ما جرم الصبيان حين أغرقوا؟ والجواب من وجوه الأول: أن الله تعالى أيبس أصلاب آبائهم وأعقم أرحام نسائهم قبل الطوفان بأربعين سنة أو (تسعين) فلم يكن معهم صبي حين أغرقوا، ويدل عليه قوله: { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } إلى قوله { { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ } [نوح: 10 ـ 12] وهذا يدل بحسب المفهوم على أنهم إذا لم يستغفروا فإنه تعالى لا يمددهم بالبنين الثاني: قال الحسن: علم الله براءة الصبيان فأهلكهم بغير عذاب الثالث: غرقوا معهم لا على وجه العقاب بل كما يموتون بالغرق والحرق وكان ذلك زيادة في عذاب الآباء والأمهات إذا أبصروا أطفالهم يغرقون والله سبحانه وتعالى أعلم.

والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه أجمعين.