وقوله تعالى: { وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً } والمعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري، بستاناً فيه مأكل هنيء وحريراً فيه ملبس بهي، ونظيره قوله تعالى:
{ { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [الحج: 23] أقول: وهذا يدل على أن المراد من قوله: { { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ } [الإنسان: 9] ليس هو الإطعام فقط بل جميع أنواع المواساة من الطعام والكسوة، ولما ذكر تعالى طعامهم ولباسهم، وصف مساكنهم، ثم إن المعتبر في المساكن أمور: أحدها: الموضع الذي يجلس فيه فوصفه بقوله: { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } وهي السرر في الحجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعت، وفي نصب متكئين وجهان الأول: قال الأخفش: إنه نصب على الحال، والمعنى وجزاهم جنة في حال اتكائهم كما تقول: جزاهم ذلك قياماً، والثاني: قال الأخفش: وقد يكون على المدح.
والثاني: هو المسكن فوصفه بقوله: { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } وفيه وجهان أحدهما: أن هواءها معتدل في الحر والبرد والثاني: أن الزمهرير هو القمر في لغة طيء هكذا رواه ثعلب وأنشد:
وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر
والمعنى أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر.